نجيب الأضادي
منذ أول خطاب للعرش في العهد الجديد، بدا واضحا أن هناك تفكير استراتيجي سيعقبه تخطيط من نفس المستوى، يهدفان إلى إعادة النظر الجدري في أسلوب اشتغال الدولة. و المقصود هنا، ضرورة تجديد الشرعيات الناظمة لمؤسسات الدولة بما يسمح بإعادة تعريف شامل لوظائفها و تدخلاتها، سواء الداخلية أو الخارجية، خاصة أمام التحديات التي تفرضها عولمة الاقتصاد في زمن المعرفة.
كان ( و لا زال) التفكير مُنصب على تحصين البلاد من تبدلات الزمن و فخاخ المخططات و مكائد الاصدقاء و غدر الأشقاء. لذلك تم اتخاذ قرارات مصيرية بضرورة إعادة بناء القوة الاستراتيجية للدولة. و كذلك كان.
و بكل موضوعية، يشهد العالم اليوم بأن المغرب أصبح رقما لا يمكن تجاهله ضمن معادلات دولية صعبة و معقدة. و قد اجتاز بنجاح مسارات إقليمية و دولية مكنته من مراكمة تجارب و خبرات متنوعة: من الانتماء العربي، إلى التكتل المغاربي، إلى الانخراط المتوسطي، إلى الشراكات الأوروبية و الأمريكية و الصينية و الروسية و الهندية، وصولا إلى العمق الاستراتيجي الإفريقي.
كل هذا المسار تم إنجازه في 22 سنة. إنه رقم قياسي بمنطق تاريخي، و حصيلة وازنة نزل فيها المغرب بكل ثقله الاستراتيجي، و استطاع بموجبها أن يؤكد حضوره على الساحة الدولية عبر امتلاكه لأوراق رابحة تقوي من قابليته التفاوضية من مواقع قوة و في ملفات حساسة.
لا يسعنا في هذه التدوينة أن نقوم بجرد شامل لمسار 22 سنة من إرادة التحديث و الحداثة. هذه الأخيرة التي اصطدمت بمقاومات شرسة على المستوى الداخلي تحديدا. لكنه منطق الصراع و التقدم التاريخي الذي لا مفر من تحدياته. و هي التحديات التي علينا مواجهتها في السنوات المقبلة بعزيمة فولاذية.
خلاصة القول أن بناء قوة الدولة ليس غاية في حد ذاته، بل الهدف الأسمى هو استنهاض أحوال الأمة، و في القلب منها بناء الإنسان المغربي المواطن.