24 ساعة- محمد أسوار
أحداث كثيرة طبعت التاريخ المعاصر للمغرب، وألقت بظلالها، إيجابا أو سلبا، على الشأن السياسي والاقتصادي والفكري للمملكة، بعضها يتذكرها الجيل الجديد من المغاربة وأخرى صارت في خبر كان.
في هذه الزاوية والتي تنشر على شكل حلقات رمضانية، تنبش ” 24 ساعة” في الذاكرة المغربية، من خلال محطات بارزة، سواء كانت أحداثا أو شخصيات، طبعت حقبة معينة من تاريخنا المعاصرة.
الحلقة الثالثة: “بوتغيولت”.. ثائر نَازَع العلويين في الحكم ورمي للأسود
شهد المغرب منذ عقود؛ ظهور حركات ثورية كان يقودها أفراد تواقون إلى انتزاع السلطة من مالكيها؛ ورغم أن التاريخ الرسمي ظل ولايزال يتجاهل ذكر هؤلاء؛ إلا أن الكتب التي تؤرخ لتاريخ المغرب، كشفت النقاب عنهم وعن تمردهم طمعا في السلطة.
من أبرز هؤلاء يوجد الجيلالي بن عبد السلام الزرهوني الذي اشتهر ب”بوتغيولت” ( أي مالك الحمارة بالأمازيغية)؛ حين حاول قبل أزيد من قرن وعقدين من الآن؛ الوصول إلى الحكم عبر القيام بثورة؛ إلا أن طموحه باء بالفشل ولقي مصيرا أسوء. فما قصته؟
الولادة والنشأة
أجمعت مختلف الروايات التاريخية على أن “بوحمارة”، واسمه الحقيقي عمر ابن ادريس بن ادريس اليوسفي الزرهوني؛ رأى النور سنة 1862 ميلادية باولاد يوسف بجبل زرهون غير بعيد عن مدينة مكناس.
تخرج من سلك الجيش بصفة ضابط مهندس؛ ثم عمل مساعدا لقائد السلطان؛ فكاتبا عند الأمير أبي حفص أخ الأمير عبد العزيز مما جعله يعرف خبايا وأسرار القصر، دخل السجن لمدة سنتين بعد تزويره توقيع الخليفة؛ وفق مصادر تاريخية.
لقبه خصومه بالروكي وببوحمارة؛ ويرجع سبب تسميته بذلك أنه لما زار مدينة فاس في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، وصلى الجمعة هناك، عندما هم بالخروج امتطى حمارة. وكلمة الزرهوني مجرد لقب له لأنه ولد في مدينة زرهون قرب مكناس، أصبح اسمه الكامل مع الألقاب والملحقات هو عمر بن إدريس الجيلالي الزرهوني الروكي وعندما خسر رهانه السياسي أطلق عليه خصومه لقب “بوتغيولت”، وذلك تيمناً بدابته التي جال بها المغرب لنشر دعوته.
يقول المؤرخ محمد الصغير الخلوفي في كتابه “بوحمارة من الجهاد إلى التآمر..المغرب الشرقي والريف من 1900 إلى 1909م دراسة ووثائق”؛ كان كل من يسعى في المغرب إلى عزل السلطان وإقامة حكومة جديدة، دون انتماء حقيقي للسلالة الملكية لقب الروكَي. وفي الحقيقة، فالمغرب عرف كثيرا من أمثال هذا الطامع في العرش، في بحر عام 1862، في ظل حكم سيدي محمد.
وأضاف ذات المؤرخ أنه خلال تلك السنة؛ انتفض رجل من فخدة الروكَا المنتمية لقبيلة سفيان في الغرب، يدعى الجيلالي الروكَي، وحشد بعض الأنصار، وبعد قتل قائد قبيلته توجه إلى فاس. لم يجد السلطان أدنى صعوبة في القضاء على منافسه، إذ تسلم فيلق العسكر المبعوث لمواجهته جثته في زاوية زرهون، حيث كان قد لجأ قبل قضاء سكان المنطقة عليه. لم تستمر تلك الانتفاضة أكثر من ثمانية وأربعين يوما، ومنذ ذاك، أصبح لقب الروكَي ملازما لكل منتفض من ذات الطينة، مع إصرار المخزن على إلصاق هذه الكنية المزعجة ضده لتمريغ سمعته في التراب.
غادر بوحمارة “دار المخزن”، متجها نحو الشرق راكبا أتانه أسس طريقة صوفية جديدة بوجدة سنة 1901، سميت بالطريقة الوزانية؛ وجمع حوله رهط من الناس؛ بدأت في الوهلة الأولى كمعارضة تنتقد النظام؛ قبل أن تتحول إلى حركة ثورية تسعى التغيير بالسلاح؛ بعد أن أقنع أتباعه، لما يملكه من قوة تواصلية هائلة، بضرورة التمرد على السلطان وجيشه.
بوحمارة الثائر
قاد بوحمارة أو السلطان المزور؛ كونه كان يدعي أنه النجل الأكبر للسلطان مولاي الحسن الأول؛ تمردا وثورة تعد من أبرز الثورات التي شهدها المغرب الحديث. بدأت ثورة بوحمارة حين حشد اتباعه سنة 1902، ثم هاجم تازة؛ ورغم تحذيرات ممثل السلطات آنذاك؛ إلا أن السلطة المركزية لم تعر اهتماما لذلك؛ مما مكن بوحمارة وثواره من السيطرة على المدينة واتخذها عاصمة له.
هاجم ثوار بوحمارة قصبة أجنادة قرب مليلية ثم وجدة مقر قاضي وجدة فسلمها له في 16 أبريل 1903؛ وكان أميرها عرفة والد محمد بن عرفة الذي عينه الاستعمار في 10 غشت 1903. سنتين بعد ذلك اي في سنة 1905 سيستقر بوحمارة بالقرب من مدينة الناضور، بمركز قبيلة بويفرر، التي كانت قد بايعته سنة منذ 1903.
بعد الانتصارات المتتالية التي حققها بوحمارة، خصوصا في منطقة الشرق ومحاصرته لوجدة وتازة؛ استنجد السلطان مولاي عبد العزيز بالقوى الخارجية؛ خصوصا فرنسا وبريطانيا من أجل إخماد ثورة الزرهوني التي باتت تهدد العرش العلوي؛ واستجابت لدعوة السلطان التي حاربت الثوار تحت مبرر وقف “السيبة” وهي نفس الذريعة التي ستتخذها نفس القوى لفرض الحماية واستعمار المغرب سنة 1912.
ألحقت الجيوش السلطانية، بدعم خارجي، هزائم ببوحمارة وثواره؛ إلا أن ذلك لم يثنيه من مواصلة المواجهة؛ خلال نهاية شهر مارس من عام 1907، حاول مجددا محاصرة مدينتي وجدة وتازة؛ لكن التدخل الفرنسي، حال دون تحقيق هدفه؛ بل إن القوات الفرنسية انتزعت منه ماكان تحت سيطرته من مناطق.
حاول بوحمارة مرة أخرى محاصرة وجدة وتازة وفي 29 مارس 1907 دخلت فرنسا وجدة تحت ذريعة إرجاع الأمن للمنطقة، بدأت بعدها تتوسع في أراضي بوحمارة. عزلت القوى الخارجية السلطان عبد العزيز في 16 غشت 1907 وتم تعيين الأمير عبد الحفيظ الذي وعد الناس بالجهاد ثم طرد بوحمارة من سلوان من طرف فرنسا فعاد لتازة للتمهيد للهجوم الأخير للاستيلاء على تازة وفاس العاصمة.
انهزم جيش بوحمارة وتسلل إلى الزاوية الدرقاوية لكن تم القبض عليه فوضع في قفص وأخذوه للسلطان يوم 2 غشت 1909؛ بقي بوحمارة محبوس داخل القفص في فاس وكانوا يحملونه كل مساء إلى خارج القصر ليشاهده الناس وليكون عبرة لكل من أراد الانقلاب والثورة على المخزن بينما كانوا يعتدون على جنوده بأبشع الطرق كل يوم في القصر أمام الناس.
تقول بعض الروايات التاريخية إن بوحمارة وبعد سبع سنوات من حكمه؛ وبعد تعذيب وسوء معاملة تم رميه للأسود؛ فيما تذهب رواية تاريخية إلى أنه أعدم رميا بالرصاص. وأي كان الحال فإن القبض عليه وقتله وضع حدا لأخطر ثورة في تاريخ المغرب والمغرب الشرقي حيث ساهم في إضعاف قوة السلطان؛ بعد تكبدها لخسائر فادحة؛ ولعب ذلك دورا أساسيا في دخول المستعمر وتوقيع معاهدة الحماية في 30 مارس1912.
يتحدث المؤرخ عبدالوهاب بنمنصور في كتابه “أعلام المغرب العربي”، عن الجدل الذي دار حول من اعتقل الثائر أبي حمارة، فحسم هذا الأمر في بقوله : “زعم هنري كيار (قنصل فرنسا بفاس) في رسالة بعث بها الى السيد رينيو الوزير الفرنسي المفوض بطنجة يوم 25 غشت أن القائد بوشتة ابن البغدادي قائد المحلات السلطانية هو الذي اعتقل أبا حمارة، وهذا ليس بصحيح، وليس بصحيح أيضا ما أورده المؤرخ عبدالرحمن بن زيدان في كتابه (إتحاف أعلام الناس) من أن الذي تولى القبض عليه عسكري من قبيلة الشاوية يسمى (العشي) كان يعمل بطابور القائد بوعودة، والصواب أن الذي اعتقله هو القائد الناجم الدليمي الاخصاصي، كما حكى لي بنفسه رحمه الله، وحكاه لي أيضا المرحوم القائد العربي السرغيني، وتؤيد حكايتهما الوثائق الرسمية التي تؤكد أن القائد الناجم هو الذي انطلق مع جماعة من جنوده لاعتقاله”.