الرباط-عماد مجدوبي
منذ تفجر قضية مقتل القاصر “نائل” برصاصة شرطي هدد قبل أن يطلق النار، وجدت فرنسا نفسه في قلب أحداث متسارعة وأسئلة تفرخ بعضها البعض عن سياسات الاندماج الفاشلة، والغيتوهات المترامية في ضواحي المدن، وأزمة الثقة بين المواطن والسلطة التي تضع جميع الفرنسيين، أكانوا “Français de souche” أو من أصول مهاجرة، أمام مفترق طرق يستغله اليمينون لإحداث انقسام عرقي بين الأنا الفرنسي والآخر الأجنبي.
ما يجري اليوم في فرنسا يضع البلاد أمام وقائع محرجة وسلوكات عنصرية تحتاج إلى تدخل عاجل بسياسات حقيقية. فالطريقة التي تعامل بها الشرطي القاتل، وما تلى ذلك من ألفاظ تفوه بها بعض زملائه في وجه الغاضبين، من قبيل “عودوا إلى إفريقيا”، تؤكد وجود مشكل داخل البنية الأمنية رغم أن البلاد قامت أساسا على الهجرة، ولم يكن بإمكانها أن تبني اقتصادها وصناعتها دون هؤلاء المهاجرين.
في فرنسا تجري أمور غريبة، لكن الدولة طبعت معها رغم عمقها العنصري. ومن بين هذه الأمور المراقبة الأمنية للمارة بناء على ملامح الوجه الأجنبية ” Contrôle au faciès”. وبالرغم من كل التقارير الحقوقية التي صدرت في هذا الشأن، إلا أن هذا السلوك لازال منتشرا، ولعل الواقعة الأخيرة مع القاصر “نائل” تؤكد استمرار عمليات المراقبة المبنية على ملامح الوجه.
في دراسة أنجزتها مؤسسة “Open Society Institute” سنة 2009 بعنوان: “الشرطة والأقليات المرئية: عمليات التحقق من الهوية في باريس”، فإن عمليات التحقق من طرف رجال الأمن تقوم أساسا على المظهر، أي ليس بناء على ما يفعله الشخص بل بناء على من يكون أو ما يظهر عليه. هذه الخلاصات ليست استثناء، فالاتحاد الأوروبي سبق ان أنجز تحقيقا سنة 2011 كشف أن من بين الأقليات المقيمة في فرنسا، 25% أشاروا إلى خضوعهم لعمليات مراقبة خلال السنتين السابقتين مقابل 10 في المائة فقط من الساكنة الأصلية.
هذه المعطيات تعزز الموقف الذي ذهبت إليه الأمم المتحدة، حينما أكدت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شمداساني خلال مؤتمر صحفي في جنيف أنه “حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشكلات العنصرية والتمييز المتجذرة في صفوف قوات الأمن”…وبالفعل، فالذي عاشته فرنسا هذه الأيام، وما عاشته سنة 2005، يؤكد وجود مشكل حقيقي ازداد تعقدا في سياق خاص يتميز بانعدام الثقة بين المواطن والدولة، لاسيما خلال السنوات الأخيرة التي لم تتوقف فيها الاحتجاجات في البلاد بشكل جعل جزء مهما من الفرنسيين يحسون بانعدام الانتماء إلى السياسات التي يتم تنفيذها من طرف إيمانويل ماكرون وفريقه الحكومي.