سعيد برادة
أسدل الستار اليوم على معرض الرباط الدولي للكتاب والنشر الذي تشرف عليه وزارة الثقافة المغربية، وقد عرف نجاحا باهرا في شيء واحد أثار انتباه الجمهور الزائر والمتابع عن بعد، ألا وهو نجاح وزير الثقافة بن سعيد في ممارسة المنع للكتاب، وهي أكبر مفارقة يعرفها تاريخ المعرض الذي يحتفل بالكتاب، يمارس حصارا ومنعا للكتاب لأسباب تبدو سخيفة في عالم اليوم، عالم السوشيل ميديا الذي لا يستطيع أحد أن يمنع فيه أي شيء، وهي صورة من صور البؤس النهضوي على حد تعبير خالد غزال.
يتعلق الأمر بكتابين أحدهما رواية (مذكرات مثلية) لفاطمة الزهراء امزكار والثاني كتاب (سوسيولوجيا التدين) لعلي تيزنت، وهي خطوة أثارت انزعاجا كبيرا في صفوف المثقفين وسخرية لدى بعضهم، كما أثارت تخوفات من عودة شبح مراقبة المنشورات في البلاد، عودة من يسميهم روبرت نيتز جواسيس الكتب في كتابه “تاريخ الرقابة على المطبوعات”، وقد بادرني أحد أصدقائي بالقول حين سألته عن انطباعاته من زيارة المعرض، فأجابني ببداهة على ضوء أخبار المنع المتصلة والتي تملأ الفيسبوك: يبدو أن زوار المعرض من المخبرين أكثر من المثقفين..زمن الجيستابو الثقافي.
شخصيا لا أعرف الكاتبين، فهما مغموران فيما يبدو لأنني قارئ نسبيا ومتابع لشأن النشر والكتاب في مجال الأدب والسوسيولوجيا، وفي اعتقادي وبعد بحثي عنهما في الشبكة ظهر أنهما كاتبين في بدايات تخصصهما، ولا وجود لكتابات أو تآليف لهما رغم ان علة المنع مختلفة في كل كتاب، فمنع صاحبة الرواية جاء بدعوى جهل إدارة المعرض ببرمجته، في حين يعرف الجميع أن المنع كان بسبب حملة الفيسبوك عن مضمونه الذي يقال إنه صادم لثقافة المجتمع، وهو ترويج الرواية للشذوذ ولمجتمع الميم، أما منع صاحب الكتاب فقد تكتمت عنه الجهات الرسمية ولم يصدر بخصوصه أي شيء، وجاء حسبما يروج بسبب انتماء الكاتب السياسي فيما يبدو للون سياسي معارض، لكن الكاتبين المبتدأين محظوظان فيما يبدو، فقد جاء قرار المنع دعاية مجانية وإشهارا مدفوع الثمن من الوزارة للكاتبين، إذ مباشرة بعد تسرب الخبر تهافت الناس على طلب الكتابين والسؤال عنهما في وسائل التواصل الاجتماعي، فكل ممنوع مرغوب كما يقال، وهذا شأن القرارات الإدارية المتسرعة التي لا يكون وراءها ثقافة ورؤية، تُنتج نهايات عكسية لما ترومه.
هناك مفارقة ثانية وهي أن آمنة يوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، استفاقت بعد غياب طويل وخرجت لتدين المنع الأول الخاص برواية المثليين من منطلق دفاعها عن الحداثة التي تنسب نفسها إليها، واعتبرت أنه “اليوم فضاء الحريات الممكنة في المجتمع المغربي مكنت فئات مثل هذه من أن تنشر هذا الرأي، وأن يكون لها الحق في التعبير”، في حين بلعت لسانها ولم يسمع لها صوت في المنع الثاني، فجسدت بذلك انتقائية مكشوفة في التعامل مع قضايا الرقابة المرفوضة على الفكر والإبداع في مؤسستها الرسمية، وهي فضيحة تنضاف لفضيحة بنسعيد السابقة لتقول لنا نحن المتابعين للشأن الفكري والحقوقي أن وضعنا ليس على ما يرام.. وأن الموقفين معا ثقافيا وحقوقيا متخلفين كثيرا عما يريده المغاربة اليوم.
متخصص في الحقوق الفكرية