الدار البيضاء-عماد مجدوبي/آسية الداودي
كانت صدمة الساكنة كبيرة عندما جرى سنة 2011 تشييد مصنع ضخم لـ”إسمنت المغرب” بتراب الجماعة القروية إمي امقورن، باشتوكة آيت باها، سنة 2011، عقب إغلاق مصنع “أنزا” بأكادير، بتكلفة مالية ناهزت ثلاثة ملايير درهم.
ساكنة المنطقة البسيطة، تفاجأت بإنشاء المصنع الجديد بإمي امقرون، لتزداد دهشتهم بتضرر الخزانات الأرضية للمياه (مطفيات) وجدران المنازل من تشققات نتيجة استعمال المتفجرات بالمقالع، حيث تبخرت كل الآمال التي كانت معقودة على هذه الوحدة الصناعية الضخمة وتحول الأمر إلى هاجس صحي وبيئي.
متاعب لاتحصى للساكنة
منذ إنشاء هذا المصنع، تحدثت الساكنة عن متاعب لا تحصى بتراب اشتوكة آيت باها، وإمي امقورن، على المستوى الاجتماعي والبيئي. ومن ذلك اجتثاث أشجار الأركان، الموروث الطبيعي، بمنطقة “تزكزاوت”، التي شُيِّد عليها المصنع، حسب فاعلين جمعويين.
وعلى الرغم من تأكيد إدارة إسمنت المغرب المتمركز مقرها الرئيسي في الدار البيضاء، احترامها لشروط الحفاظ على البيئة وسلامة العاملين من خلال عملية التصنيع، إلا أن الجمعيات المدنية وخبراء البيئة يحذرون من تداعيات الغبار المنبعث من المصنع على الفرشة المائية والهواء والإنسان وأيضا العاملين في الداخل لعدم استعمال الوسائل الوقائية.
ولا يختلف اثنان على أن صناعة الإسمنت تتسبب بمشاكل صحية للعاملين فيها وللسكان المجاورين نتيجة تطاير جسيمات غبار الإسمنت لمادة (الكلنكر) الرمادية ورذاذ الغازات المنبعثة عن هذه الصناعة الناتجة عن تحميص وطهي الكلنكر حيث تنبعث غازات سامة جزيآتها.
ويظل السؤال، إلى أي مدى سيستمر التأثير السلبي لصناعة الإسمنت على ساكنة المنطقة ، وهل هناك مراقبة من السلطات المختصة لوقف تسرب الانبعاثات من الغبار بسبب الإسمنت لحماية الساكنة.
صناعة الإسمنت والتلوث
يرى رشيد فاسح، باحث في مجال البيئة والتنمية المستدامة ورئيس جمعية بييزاج لحماية البيئة، في تصريح لجريدة “24ساعة” الإلكترونية، أن صناعة الإسمنت من الصناعات الملوثة للبيئة بشكل خطير وتتسبب في ظاهرة الأمطار الحمضية، كما تتسبب في مشاكل صحية للعاملين فيها وللسكان المجاورين للمصنع نتيجة تطاير جسيمات غبار الإسمنت لمادة (الكلنكر) الرمادية ورذاذ الغازات المنبعثة عن هذه الصناعة الناتجة عن تحميص وطهي الكلنكر حيث تنبعث غازات سامة جزيئآتها تعلق بغبار (الكلنكر) عند خروجه من فوهة المصنع وانتشاره في المناطق المجاورة له، في حال لم تستعمل تلك الشركات فيلترات للحفاظ على جودة الهواء تعمل على قياسه مختبرات معتمدة ضمن لجنة مراقبة وزارة التجهيز والماء للحفاظ على المعايير الأساسية واللازمة بجودة الهواء وحماية البيئة.
وأوضح فاسح، أن دراسات منجزة سلفا من قبل مختبرات دولية، أوضحت خطورة أضرار صناعة الإسمنت حيث أثبتت بعض الدراسات أن طحن 2000 طن من الكلنكر ينتج عنه من 40-50 طن أتربة، علما بأن النسبة المسموح بها عالميا هي 15-25 ملغرام للمتر المكعب، مبرزا أنه إذا كان الغبار أقل من 10 ميكرون يكون خطره كبيراً لأنه قابل للاستنشاق بسهولة وإذا الغبار كان أقل من 3 ميكرون فإنه يتسبب بأضرار صحية بالغة للإنسان لأنه في الحالة هذه يكون قادرا على اختراق الدفاعات التنفسية للإنسان والحيوان معا ويقضي بالتالي على التنوع النباتي والحيواني القريب.
في ذات السياق، أوضح الباحث في مجال البيئة، للجريدة، أن دراسات أخرى صدرت في مجلات متخصصة في البيئة والصحة، أفادت أن الغبار المنبعث من المصانع سبّب أضراراً بيئية كبيرة بالأرض والماء والهواء والتنوع النباتي والحيواني خصوصا بالمناطق الجبلية كما تؤدي لانقراض بعض الأنواع نتيجة تخريب وقتل مستوطناتها خصوصا بعض القوارض كالسناجب والزواحف والطيور التي تهاجر مكانها وخصوصاً عندما تكون تلك المصانع بالقرب منها.
وبخصوص الأمراض التي تتسبب فيها صناعة الإسمنت وتشكل خطرا على العاملين فيها بشكل خاص دون الأخذ بالوسائل الوقائية، وعلى صحة الساكنة المجاورة بشكل عام والشائع منها، هو مرض (السيليكوز ) والسعال وضيق التنفس والحساسية والربو وانتفاخ الرئة والتأثير على الأغشية المخاطية، كما يؤثر الغبار على البصر وبسبب مشاكل بصرية جمة.
مصانع الإسمنت والبيئة
ويقر الباحث في البيئة، فاسح، بأن الشركات والمقاولات بصفة عامة هي شريك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل رئيسي وعليه فهي تنخرط ضمن دينامية حركية الاقتصاد وإذا أخذنا بعين الاعتبار شركات الإسمنت فهي شركات تساهم في الناتج الداخلي الخام للبلد تتوفر فرص شغل لفئة عريضة من الإطار العليا واليد العاملة. كما تساهم في النهوض بالبنات التحتية للوطن ككل، لهذا لا يمكن بتاتا تخيل مشروع طرقي أو قنطرة أو ميناء أو مطار أو بنايات سكنية بدون وجود مادة الأسمنت، التي تحتل حوالي 70 إلى 85 بالمائة من مواد البناء.وكل هذا مصدره بطبيعة الحال الموارد الطبيعية حيث هي المصدر الأساسي والأول لهذه المادة المصنعة على مراحل.
وحتى نحمي هذه الموارد الطبيعية والمجالات المحيطة بها من دور سكنية غابات تنوع نباتي أو حيواني موارد مالية سطحية أو جوفية وجودة الهواء من نفايات وفضلات الإسمنت، جاء قانون 13_99 ليحدد الشروط والالتزامات التي ينبغي الالتزام بها لدى كل الأطراف بما فيها العمومية والخاصة كالمقتولات والشركات. وكل ذلك في إطار عملية التنمية المستدامة وحماية البيئة.
والقول بأن شركات الإسمنت لا تحترم معايير البيئة هو مصطلح لا يمكن اعتماده، وإصدار حكم ينبغي أن ينبني على معطيات علمية دقيقة، لكن الشائع هو أن هذه الشركات يجب أن تراعي أولويات التنمية المستدامة، وأن تكون شركات صديقة للبيئة، صحيح هنالك دراسات علمية أنجزت من طرف مختبرات دولية حول التأثير على البيئة من طرف شركات الإسمنت تبين إنها تخلف أضرارا قد تكون مشتركة ومتباينة كذلك بين الشركات ونمط الاستغلال والإنتاج. وشركات الاسمنت لها تأثيرات سلبية على البيئة المجاورة ومناطق الاستغلال.
وهذا ما تؤكده دراسات التأثير على البيئة التي تعد مسبقا كما أصبح الآن قانونيا بحيث لا يمكن لأي مشروع تنموي كيفما كان نوعه أن لا يخصع لدراسة التأثير على البيئة لاستبيان المخاطر وطرق التخفيف والنقص منها.
التأثير على التنوع البيولوجي
ما هو متعارف عليه في شركات الإسمنت، يوضح الباحث في البيئة ، هو أن هنالك تأثير على جودة الهواء لمحيط يقدر بكلمترات نتيجة تطاير رذاذ وذرات الغبار الناتجة عن التفجيرات لاستخراج المواد الأولية أو عمليات التصنيع والطعي في الأفران أو المواد المشتعلة المستعملة في طهي المواد الأولية وهي محملة بجسيمات دقيقة تسبب مشاكل صحية خصوصا للدواوير السكنية المجاورة. ونفس المشاكل الطائر ذرات الغبار تسببها مقالع الأحجار والأتربة وغيرها.
كذلك، يضيف فاسح، من بين المشاكل التي وقفنا عندها هي تشققات وتصدعات، أثناء عمليات تفجير المقالع بالجبال وحسب دراسات علمية، فاستعمال الديناميت يؤدي لقتل التنوع البيولوجي والنباتي واختفاء منابع المياه العذبة السطحية والجوفية معا لشدة تلك الانفجارات وقوتها، وهناك توصيات من طرف وزارة التجهيز بالبحث عن بدائل غير القيام بتفجير المقالع لاستخراج المواد الأولية نظرا لخطورتها وكذلك لتأثريها على البيئة.
في ذات السياق يضيف الباحث في البيئة لجريدة “24ساعة”، بأن هنالك تأثير على الفرشة المائية بفعل عمليات استخراج المواد الأولية تؤدي إلى اختفاء مصادر المياه أو تغيير وجهتها بفعل قوة واستدامة الانفجارات بالديناميت ولهذا قامت وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء بإعداد قانون جديد لاستغلال المقالع رقم 27.13 في إطار مقاربة تشاركية وتوافقية مع المهنيين والقطاعات الوزارية المعنية بالمقالع.
وخلص المتحدث بالقول إن المقاولات والشركات مدعوة للانخراط الجدي والمسؤول في مشروع التنمية المستدامة وحماية الموارد الطبيعية من التأثير السلبي عليها، و الذي انخرط فيه المغرب منذ الألفية الثالثة، وأن تكون هذه المؤسسات الاقتصادية شريك أساسي وفاعل في مجال التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر وصديقة للبيئة، لأننا كدولة وحكومة ومقاولات وجماعات محلية ومجتمع مدني ملزمين باحترام القوانين الوطنية والدولية التي وقع عليها المغرب وانخراطه الفاعل في برنامج التنمية للتنمية المستدامة 2015 /2030.
الوقاية من تلوث التربة
أكد مسؤولون من شركة إسمنت المغرب في تصريح لجريدة “24ساعة“، أن مصنع آيت باها يستخدم عملية تعتمد نظاما مجففا ونظام استرداد للحرارة من أجل تبريد الغاز، موضحين أن المصنع لا يلجأ لاستخدام الماء إلا لتثبيت المواد في المطاحن، ويتم تبريد الآلات من خلال سلسلات دوائر مغلقة لإعادة تدوير المياه، وهو الأمر الذي يمكن المصنع من التقليل من استهلاك المياه بدرجة كبيرة، بحيث لا ينتج عن ذلك أية نفايات صناعية سائلة.
وأكدوا في هذا السياق أن مناطق نشاطات العمل والأوراش الصناعية مرصوفة، وكذلك الأمر بالنسبة لمناطق التخزين أو مناولة الوقود ومواد التشحيم المجهزة بمعدات احتباس كبيرة من أجل تجنب المخاطر التي قد تضر بالسطح الطبيعي للأرض في حال وقوع حادث تسرب أو انسكاب. وأن جميع فضاءات تخزين المواد الخام والوقود الصلب مغطاة ومعزولة عن مياه الأمطار لمنع عمليات الغسيل أو تسرب المياه إلى باطن الأرض. نفس الأمر بالنسبة للمواد المضافة التي يتم تخزينها، في حال استخدامها، في منطقة مخصصة محمية بواسطة غشاء أرضي مقاوم للتسرب.
وأكدت شركة الإسمنت التي يوجد مقرها الرئيسي بالدار البيضاء، أن المصنع مجهز بنظام تصريف لمياه الأمطار، حيث يتم وضع مجموعة من البالوعات التي تمكن من منع الجريان السطحي في مناطق النشاط الصناعي. وأنه يتم تخزين النفايات الناتجة عن المصنع، والتي تتكون أساسا من الخردة المعدنية والشرائط والأكمام، في مكان خاص مرصوف ومجهز لهذا الغرض. كما يتم تخزين النفايات السائلة، مثل نفايات الزيوت المستبدلة، في حاويات معدنية مركونة في منطقة مرصوفة ومجهزة بنظام احتباس.
وأوضحت الشركة في تصريحها للجريدة، أن المياه المستخدمة في سقي المساحات الخضراء تتأتى من الآبار الواقعة على بعد 20 كيلومتر من المصنع، وتتم عملية تحليلها بشكل منتظم من طرف مختبر معتمد. ويتم إجراء مراقبة منتظمة للآلات والمركبات للحد من تسرب الهيدروكربونات. حيث لا يتم التساهل مع أي انسكاب للسوائل داخل المصنع.
مصنع آيت باها وتجهيزاته
وبخصوص التحكم في انبعاثات الهواء، أكدت شركة الإسمنت للجريدة، أنه تم تجهيز مصنع آيت باها بأحدث التجهيزات التكنولوجية الخاصة بتحضير الكلنكر، والتي تمكن من تجويد هذه العملية. ويمكن المكلس الذي تم وضعه من منع تكوين أكسيد النيتروجين، وهو بالتالي يحد من إطلاقه في الهواء. كما تسمح الـمَحرقات المثبتة بإجراء مراقبة مثالية لعملية الاحتراق.
وأضافت الشركة أن المصنع مجهز بالعديد من أجهزة تحليل الغاز، منها على وجه الخصوص جهاز التحليل المثبت في مدخنة الفرن والذي يمكن من إجراء مراقبة مستمرة وعن بعد لجميع الملوثات الغازية. يتم على الفور إجراء عملية مقارنة البيانات التي يتم قياسها مع بيانات الانبعاث التي تحددها القوانين المغربية الجاري بها العمل.
وتخضع الانبعاثات الغازية أيضا، وفق شركة إسمنت المغرب، إلى تقارير يومية وتقارير شهرية بهدف التأكد من الامتثال لهذه القوانين. ويتم تكوين العديد من الإنذارات في نظام المراقبة، وهي تمكن من قياس بيانات الانبعاث وحفظها في الأرشيف. تخضع أجهزة التحليل لعمليات صيانة ومعايرة من طرف تقنيين متخصصين، ويتم ذلك وفقا للمعايير الدولية.
وأضاف مسؤولو الشركة، أنه يتم بصفة منتظمة تنفيذ حملات توصيف الانبعاثات من قبل مختبر عمومي معتمد على مستوى نقاط الانبعاث، وذلك بهدف التأكد من الامتثال. ويعمل المصنع وفقا للمتطلبات البيئية، وفي توافق تام مع المعايير الدولية. غالبا ما تكون الحدود المفروضة داخل المجموعة أكثر تقييدا من القيم المحددة التي تفرضها القوانين الجاري بها العمل.
طبيعة المواد المستخدمة
أما عن طبيعة المواد المستخدمةـ توضح شركة الإسمنت لجريدة “24ساعة”، أن مصنع آيت باها يستخدم الحجر الكلسي والطين كمواد أولية لتصنيع الكلنكر. ويتم استخراج هاتين المادتين من المقالع التابعة لإسمنت المغرب المتواجدة في جماعات إمي مقور نوأمسكرود. كما يستخدم الجبس أيضا كمادة مضافة لطحن الإسمنت، ويتم اقتناؤه من مقلع خاص. كل هذه المواد تتميز بكونها طبيعية ولا تشكل أي خطر.
وفي إطار عملية إعادة التدوير واستعادة المنتجات الثانوية، يستخدم المصنع أيضا، بدرجة أقل، بقايا مواد تحتوي على الحديد والرماد المتطاير.
المغرب وجودة الهواء
ينتظر أن يبلغ عدد محطات مراقبة جودة الهواء 101 محطة في أفق 2030 مقابل 29 راهنا، وذلك في إطار توطيد شبكة مراقبة جودة الهواء.
وتم في هذا الإطار تعبئة 10 ملايين درهم لتوسعة شبكة مراقبة جودة الهواء في الجهات التي تحظى بالأولوية يوجد ضمن 17 أولوية ممن جرى اعتمادها، حيث تمت المشاركة في اعتماد إطار مؤسساتي بشراكة مع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، يروم تدبيرا مستقبليا للشبكة الوطنية لمراقبة جودة الهواء.
وتم عكس الدينامية التي عرفتها بلادنا في مجال التنمية المستدامة خلال هذه السنوات الأخيرة بالمصادقة على القانون-الإطار حول الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة واعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة.
وأجرأة لهذه الاستراتيجية، تم اعتماد 19 مخططا قطاعيا من قبل مختلف القطاعات الوزارية بالإضافة إلى مخطط عمل شامل يهم الإدارة المثالية، ويروم تشجيع الإدارة حتى تتبنى قيم النموذجية في مجالات متعددة ومن ضمنها تلوث الهواء من خلال حفز النقل المستدام.
وقد أرسى المغرب عدة إجراءات ومبادرات على الأصعدة التنظيمية والمؤسساتية والعملياتية قصد تصحيح الاختلالات السلبية لتلوث الهواء الناجم أساسا عن قطاعي الصناعة والنقل.