أسامة بلفقير – الرباط
مسار من البناء والتراكم ذلك ميز تدبير الملك محمد السادس للملفات الدبلوماسية للمملكة. ففي ظل فترات حارقة واجه فيها المغرب مناورات تستهدف سيادته الوطنية ومصالحه الكبرى، استطاعت الدبلوماسية الملكية أن ترسم للمغرب مكانا بين الكبار، وتنتزع اعترافا غير مسبوق للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء المغربية.
لم يأت هذا من الفراغ، ولا كان بمنطق “المقايضة” كما حاول البعض رسمه. فلا قضية الصحراء يمكن مساومتها بأي ملف آخر، ولا قضية فلسطين يمكن الدوس عليها مهما كانت “الإغراءات”. لكن الحكاية وما فيها أن الدبلوماسية المغربية استطاعت، تحت التوجيهات الملكية والحضور الفعلي والقوي للملك محمد السادس، أن تقنع الولايات المتحدة بأن حل النزاع يمر أساسا عبر احترام السيادة المغربية.
وهكذا كان. فالولايات المتحدة التي توصف بـ”ماسكة القلم” في ملف الصحراء المغربية، عندما يتعلق بتقارير مجلس الأمن الدولي، اعترفت بوضوح وعلانية بسيادة المغرب على صحرائه، ما خلف سعارا كبيرا لدى الجارة الشرقية. فالمصاب جلل، والواقع لا يرتفع.
هذه الحركية التي تعرفها الدبلوماسية المغربية، في ظل القيادة الملكية، شملت مختلف أوجه العلاقات مع البلدان الصديقة والشقيقة. وقد برز دور المرغب بشكل واضح في ظل جائحة كورونا، من خلال تكريسه لعلاقات التضامن والتآزر مع الدول التي عرفت أوضاعا وبائية متردية.
وتجسدت هذه المبادرة ذات الطابع الواقعي والعملي، والتي تسمح بتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للجائحة، في قرار صاحب الجلالة في يونيو 2020 بإرسال مساعدات طبية إلى عدة دول إفريقية لدعم جهودها في مكافحة كوفيد-19.
وتتكون هذه المساعدة من حوالي ثمانية ملايين كمامة، و900 ألف من الأقنعة الواقية، و600 ألف غطاء للرأس، و60 ألف سترة طبية، و30 ألف لتر من المطهرات الكحولية، وكذا 75 ألف علبة من الكلوروكين، و15 ألف علبة من الأزيتروميسين، وهي المنتوجات والمعدات الواقية التي تم تصنيعها في المغرب من طرف مقاولات مغربية، كما تتطابق مع معايير منظمة الصحة العالمية. وتعكس هذه الخطوة ذات الحمولة الإنسانية القوية، والتي حظيت بإشادة دولية واسعة، قوة الروابط التي تجمع المغرب والدول الإفريقية الأخرى، والإرادة الراسخة للمملكة في مواكبة ودعم هذه الدول الشقيقة منها والصديقة، لاسيما في اللحظات العصيبة.
وتواصل زخم التضامن هذا، بقرار صاحب الجلالة في غشت 2020، إرسال مساعدة طبية وإنسانية عاجلة للبنان، وذلك على إثر الانفجار الضخم الذي هز العاصمة بيروت والذي خلف عددا كبيرا من الضحايا وخسائر مادية مهمة. كما تحرك المغرب بشكل مستعجل لمد الجمهورية التونسية بأطنان من المساعدات الطبية لتجاوز محنتها الصحية، فضلا عن إقامة مستشفى ميداني بأمر ملكي.
هي إذن عناوين كبرى، وفي التفاصيل تبرز الرؤية الملكية لمغرب يتطور يوما بعد آخر، ليأخذ مكانه ضمن نادي الكبار، غير آبه بحملات مسعورة تستهدفه في محيط إقليمي غير مستقر.