24ساعة-متابعة
بشكل غريب ومتناقض، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريحات حاول من خلالها خلط الأوراق حول العلاقات المغربية-الفرنسية في محاولة لكسب ود الرباط والعودة إلى طاولة الحوار، في سياق توتر دبلوماسي زادته مناورات باريس حدة على أكثر من صعيد، حتى وإن صرح ماكرون بأن بلاده لم تصب الزيت فوق النار.
لسنا ندري إن كان ماكرون قد استفاد من تجربة “لغة العفاريت والتماسيح”، لكننا نجد في تصريحات الرجل كثيرا من الغموض والتناقض ومحاولة للهروب إلى الأمام، بدل الاعتراف بأخطاء فرنسا الناتجة أساسا عن عقليتها الاستعمارية التي تنظر إلينا -نحن الأفارقة عامة والمغرب في هذه الحالة- مجرد مستعمرات سابقة مهمتها ضخ المواد الأولية والسواعد البشرية..لكن هيهات هيهات.
لقد نفى ماكرون أن تكون بلاده وراء توصية البرلمان الأوروبي، بل إنه ذهب يتهم جهات لم يسميها (ربما عفاريت الإليزيه) بالمضي في مغامراتها، واستغلال قضية البرلمان الأوروبي أو ما تحدثت عنه الصحافة بشأن التنصت على الهواتف، قبل أن يستطرد بالقول إنه يريد المضي إلى الأمام.
أولا، لقد حاول ماكرون أن يعطي الانطباع بأن ما نشر سواء حول “بيغاسوس” أو التوصية التي صدرت عن البرلمان الأوروبي هي “وقائع”، وهذا في حد ذاته مناورة جديدة من الرئاسة الفرنسية. بدل أن يخرج الرجل ليقول بصريح العبارة -إن كان فعلا يعتبر المغرب شريكا- بأنه ضد تلك التوصية، وبأن الاتهامات التي تروجها الأوساط الفرنسية حول مسألة التنصت مجرد أكاذيب مفبركة مادام أن أجهزته الأمنية والاستخباراتية والقضائية والمعلوماتية لم تصل ولن تصل إلى ما يثبت هذه الادعاءات الباطلة.
ليس هذا فحسب، فنحن نعرف أن من تزعم هذه الحملة ضد المغرب في البرلمان الأوروبي هي كتلة Renew Europe التي تأسست سنة 2009 وتتوفر على 103 برلمانيا من أصل 705 عضوا، ويرأسها Stéphane Séjourné وهو قريب جدا من الرئيس ماكرون ويشغل منصب الأمين العام لحزبه.
لكن دون العودة إلى قضية البرلمان الأوروبي التي انفضحت في وجه الواقفين وراءها، أليست خرجة الرئيس الفرنسي يوم أمس إحياء لعقلية استعمارية لا تنتهي؟ هل يريد ماكرون أن يقول للأفارقة بأنه الحاكم الجديد لهذه القارة، عندما يتدخل في سيادة الدول بينما تتصاعد حدة الغضب الشعبي الداعي إلى إنهاء التواجد الفرنسي، المباشر وغير المباشر، في هذه الدول.
يقول ماكرون “ستكون هناك نهاية للقواعد العسكرية التقليدية في أفريقيا، أكاديميات تجمع الجيوش الفرنسية والأفريقية ستحل محل القواعد العسكرية في القارة”..ثم يضيف في تصريح آخر إن بلاده مستعدة لدعم إنشاء الدول الأفريقية لعملة مشتركة..وكأن هذه الدول لا سيادة لها حتى يأتي إليها ماكرون ليقرر في قواعده العسكري ويستبذلها بالأكاديميات..وكأن هذه الدول ليس لها من الطاقات والوعي السياسي والحكمة ما يجعلها قادرة على خلق عملة موحدة تحت سيادتها ودون تدخل للأجنبي.
مشكلة فرنسا أنها تريد الزبدة وثمن الزبدة..فكلما أعطت إشارات بأنها ترغب في إنهاء هذا الماضي الاستعماري، كلما خرجت إلينا بواقع جديد تغير فيه المواقع دون أن تتخلى عن حقيقتها..حقيقة فرنسا التي لا تريد للمغرب والغابون والسينغال وكل دولة إفريقية في هذه القارة أن تكون منافسا لها..وتتعامل معها ندا للند.
وتصريحات ماكرون في خرجته الإعلامية كان مرغما للإدلاء بها بعدما ضاق عليه الخناق في إفريقيا واقتنع أن المغرب فعلا لم يعد تلك الدولة التابعة بل دولة منافسة في إفريقيا.