وجدة-إدريس العولة
رغم مرور حوالي نصف قرن من الزمن، على تلك الجريمة الشنعاء التي ارتكبها النظام الجزائري في عهد الرئيس الراحل الهواري بومدين، لم ينس المغاربة ذلك اليوم الملعون الذي تم فيه ترحيل أزيد من 350 ألف مغربي قسرا من الأراضي الجزائرية، وخاصة أن عملية الطرد تزامنت مع عيد الأضحى المبارك، وما لهذه المناسبة من رمزية دينية لدى جميع المسلمين.
وجاءت هذه الجريمة البشعة ضد الإنسانية، كردة فعل غبية للنظام الجزائري على نجاح المسيرة الخضراء التي دعا لها الراحل جلالة الملك الحسن الثاني، والتي مكنت المملكة المغربية من استرجاع صحراءها بطريقة سلمية نالت استحسان وإعجاب المنتظم الدولي، الذي لم يتردد في الإشادة بالسلوك الحضاري والسلمي الذي اعتمده المغرب لإعادة أراضيه المستعمرة من طرف إسبانيا.
تنكر النظام الجزائري لكل الجهود التي بذلها هؤلاء المغاربة في تحرير هذا البلد من الإستعمار الفرنسي الغاشم، ضحوا بأرواحهم وأموالهم وبكل ما يملكون لتعيش الجزائر حرة أبية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فمباشرة بعد حصول الجزائر على الإستقلال، شمر هؤلاء المغاربة على سواعدهم من أجل خدمة هذا البلد في جميع المجالات وعلى شتى الأصعدة.
وفي الوقت الذي كان لزاما على النظام الجزائري، أن يجازي هؤلاء المغاربة على ما قدموه من تضحيات جسام في خدمة هذا البلد، أختار الراحل الهواري بومدين ومن كان يدور في فلكه أسلوبا أرعنا ينم على حقد دفين لنظام لا يعترف بالجميل، ولا يتردد في البصق في الصحن الذي أطعم منه يوم كان جائعا، فقام بتفريق الزوج عن زوجته، والأب عن أبناءه في مشهد محزن ومرعب، لم يتم تسجيله قط في تاريخ البشرية.
بهذا السلوك اللاإنساني، كان النظام الجزائري يسعى إلى زعزعة الاستقرار الأمني بالمغرب، حيث كان يعتقد جازما، أن نظام الحسن الحسن الثاني سيفشل في تدبير المرحلة، وأن المغرب ليس بوسعه استيعاب ذلك الكم الهائل من المطرودين، وبالتالي ستسود البلاد القلاقل والمشاكل، إلا أن صدمة النظام الجزائري كانت قوية، لما استطاع المغرب احتواء الأزمة في وقت قياسي بفضل تلاحم كافة شرائح المجتمع، لحمة مكنت المرحلين من الاندماج بشكل سريع داخل المنظومة الإجتماعية المغربية، حيث أعطيت التعليمات لكافة المصالح لتسهيل المأمورية للمطرودين من أجل الحصول على العمل والسكن والوثائق الإدارية لتيسير عملية إدماجهم.
إذن مرت أزيد من 48 سنة على هذا الحادث المأساوي، لقد مات من مات، وجاء جيل بعد جيل، لكن هذا الفعل الإجرامي سيبقى موشوما في ذاكرة كل المغاربة، وحتى الجزائريين أيضا، حيث سبب لهم هذا الطرد التعسفي جرحا عميقا وحرجا كبيرا بين الأمم، لأنهم كانوا يدركون جيدا غاية النظام من هذا القرار الطائش والجائر.