حتى في أسوأ كوابيسه، لم يتخيل الشاب المغربي علم عبد الرحمان أن يصاب بداء السيدا القاتل، فقبل أربع سنوات كان يمارس حياته الطبيعية كأي شاب في مثل عمره، يفيض عنفوانا وحيوية. لم تكن حقيقة إصابته بمرض الإيدز (فيروس نقص المناعة البشرية) وحدها التي قلبت حياته، بل كيفية مواجهة مجتمع ينظر بقسوة إلى المصابين بالفيروس ويحمّلهم ما لا طاقة لهم به. وبعد نحو عام من انقضاض المرض على جسده، فتح عبد الرحمان بابه وقرر المواجهة.
خرج الشاب إلى العلن، ليحول صدمة الإصابة إلى طاقة إيجابية تعينه على تغيير نظرة المجتمع النمطية إلى حاملي الفيروس. لم يعلن عبد الرحمان (24 عاما) عدم استسلامه للمرض فحسب، بل التصدي له، إذ انخرط -ضمن جمعية غير حكومية في مدينة أكادير- في تعليم الشباب طرق الوقاية من الفيروس وتقديم الدعم النفسي للمتعايشين مع المرض.
ويهاجم هذا الفيروس النظام المناعي ويُضعف نظم اكتشاف العوامل المسببة للعدوى والدفاع عن الجسم، وعندما يدمر الخلايا المناعية يعاني المصابون به من نقص المناعة، الذي يتفاقم تدريجيا، فيزداد تعرضهم لحالات العدوى والأمراض.
أصعب مرحلة
عن الفترة الصعبة التي عاشها، ولاسيما الأشهر الأولى لاكتشاف حمله الفيروس، قال عبد الرحمان لـ”لأناضول” إن “المجتمع المغربي يخص المتعايشين مع فيروس “السيدا” بمجموعة من الأفكار المسبقة، أغلبها غير صحيح”. وتابع: “في بداية الأمر، لم أتقبل مسألة تناولي للأدوية طوال حياتي، لكنْ بمساعدة أسرتي وأصدقائي وزملائي في الجمعية التي أشتغل فيها لمحاربة السيدا، تمكنت من تجاوز الأمر والانضباط للوصفات الطبيبة”.
وكانت أصعب خطوة في مسار تعايش الشاب المغربي مع الفيروس بعدما قرر مصارحة أسرته بالأمر. وقال عبد الرحمن في هذا الشأن: “كان لدي تخوف كبير من ردة فعل أسرتي، خصوصا والدتي، التي لم أعرف كيف ستستقبل هذا الخبر”. وتابع: “الفضل يعود بنسبة كبيرة إلى الطبيبة المعالجة، التي أوصلت الخبر إلى أسرتي بطريقة سلسة”.
مزيد من الثقة
يخفي أغلب المتعايشين مع فيروس “الإيدز” في المغرب حملهم له، خوفا من نظرة المجتمع وتعامله معهم. ويقدر عدد حاملي الفيروس في المغرب بـ24 ألف متعايش، حسب إحصاءات لمكتب الأمم المتحدة الخاص بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا صدرت في العام الجاري. ويبقى هذا العدد مجرد تقدير، نظرا لأن أغلب المتعايشين مع الفيروس إما لا يعلنون إصابتهم أو لا يعلمون أصلا أنهم حاملون للفيروس..
وعن تجربته في العمل ضد “الإيدز”، قال عبد الرحمان إنه بعد سلسلة من الدورات في تقوية الذات ضمن جمعية غير حكومية متخصصة في محاربة هذا الداء العضال، قرر الانخراط في مشروعها. والآن، وبعد اكتسابه مزيدا من الثقة، يقدم عبد الرحمان، مع شباب آخرين، حصص دعم نفسي للمتعايشين مع الفيروس، بالإضافة إلى حملات توعية بخطورته وطرق انتقاله وسبل الوقاية منه. وأقدم الشاب المغربي على هذه الخطوة إيمانا منه بأنها “قد تساهم في تغيير النظرة النمطية التي تلازم المتعايشين مع المرض، واعتبار “السيدا” مرضا كغيره من الأمراض التي قد تصيب الإنسان، والمتعايش معه لا يختلف عن باقي أفراد المجتمع”.
ووفق تقرير برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة “الإيدز” لسنة 2016، حول تطور الداء في العالم، فإن 1300 مغربي مصابين بالفيروس لقوا حتفهم بسبب مضاعفات ترتبط بالمرض خلال 2015. وكشف التقرير أن المغرب يشهد سنويا 1200 إصابة جديدة بالمرض، بمعدل 4 إصابات جديدة يوميا.
وبلغ عدد المصابين بهذا المرض في العالم 36.7 مليونا في أواخر عام 2015، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشتركة لمكافحة “الإيدز” عام 2016.
ولم يتم حتى الآن اكتشاف علاج يشفي من “السيدا”، لكن بإمكان المرضى أن يسيطروا على الفيروس ويتمتعوا بحياة صحية ومنتجة بفضل استعمال العلاج الفعّال بالأدوية المضادة للفيروسات، وفق منظمة الأمم المتحدة.
وتقدم وزارة الصحة المغربية الأدوية المخصصة لحاملي الفيروس بالمجان، في حين تعمل منظمات غير حكومية على دعم المتعايشين مع المرض، إضافة إلى نشر طرق انتشاره وسبل الوقاية منه.