الرباط-متابعة
في سابقة هي الأولى من نوعها، قضت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بعدم الاختصاص للنظر في قضية تتعلق بتزويج طفلة بشكل عرفي، والتغرير بها وهتك عرضها بدون عنف إلى جناية للاتجار بالبشر، وذلك لكونها طفلة فاقدة لحرية تغيير وضعها واستغلالها جنسيا عن طريق استغلال حالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها إلى مأوى.
وتعود تفاصيل القضية إلى استغلال المتهم فتاة قاصرا لجأت إليه، حيث سبق لها التعرض للاغتصاب من طرف شخص آخر في سن الـ13، حيث اصطحبها المتهم المعتقل إلى منزله، واستمر في ممارسة الجنس معها بشكل اعتيادي لما يناهز سنتين إلى أن حملت منه وأنجبت طفلة.
وبعد مدة تطورت ملابسات القضية بعد مغادرة المشتكية منزل المتهم وتركها ابنتها معه، إذ أخبرها بضرورة حضورها لأخذ ابنتها، كما أخبرها بأنه سيسلمها للغير لكي تحضر وتأخذ ابنتها، فضربت معه موعدا غير أن عناصر الشرطة حضرت برفقتها، وتم توقيفه.
واعترف المتهم بما نسب إليه، مؤكدا أنه مارس الجنس مع المشتكية عدة مرات رغم أنها قاصر، وأنه على علم بكونها كذلك، مضيفا أنه كان ينوي الزواج منها، غير أن المشتكية اتهمته بمنعها من ابنتها وهو ما حال حول إرضاعها بطريقة طبيعية، كما أنه يعرضها للضرب والاعتداء.
وأوضحت المحكمة أنه مراعاة لقصور سن المشتكية “فلا عبرة لرضى المشتكية من الناحية القانونية في مرافقة المتهم أو ممارسة الجنس معه، طالما أن نقصان الإرادة مفترض فيها باعتبار سنها القاصر، تطبيقا للماتين 209 و 210 من مدونة الأسرة”.
واعتبرت المحكمة أن المتهم مرتكبا لجناية الاتجار بالبشر “بمجرد اصطحابه المشتكية القاصر إلى منزله بعد مغادرتها لمؤسسة خيرية، ومكوثها معه لمدة سنتين، وممارسة الجنس معها خلال هذه المدة إلى أن حملت ووضعت حملها منه، يكون قد استغل قاصرا فاقدة حرية تغيير وضعها استغلالا جنسيا، بعدما استدرجها واستقبلها وأواها بمنزله.
وذلك عن طريق استغلاله لحالة ضعفها وهشاشتها وحاجتها الماسة إلى مأوى كمتخلى عنها ومغتصبة في وقت سابق، بعدما وعدها بالزواج منها طيلة تلك المدة”، وذلك تطبيقا للفصل 448-1 في فقراته الأولى والثانية والثالثة والفصل 448 من القانون الجنائي.
وأكدت المحكمة أنه ونظرا لإتيان المتهم هذا الفعل مع القاصر المذكورة، “بصفة متكررة ومعتادة حسب الثابت من تصريحاته؛ فإن البناء القانوني العادي لجناية الاتجار في البشر كما هو مقرر في الفصلين أعلاه، تكون قد اقترنت بالظرف المشدد المنصوص عليه في البند 6 من الفصل 3448 من ذات القانون، والمتمثلة في”الاعتياد”.
وأوضحت المحكمة في تعليل قرارها أنه كلما “اقترن فعل التغرير وهتك عرض قاصر دون عنف بعناصر جريمة الاتجار في البشر المنصوص عليها في الفصول 448-1 و 448-2 و 448 – 3 من القانون الجنائي ولا سيما قصد الاستغلال إلا وتغير وصفه، وأصبح ذا صبغة جنائية وليس جنحية، مما ارتأت معه المحكمة، في نازلة الحال، التصريح بعدم اختصاصها النوعي للبت في القضية، مع إحالة مقيم الدعوى العمومية على من له حق النظر”.
ويعتبر هذا الحكم من بين التطبيقات القضائية النادرة لجرائم الإتجار بالبشر المرتبطة بتزويج الأطفال، ويعيد هذا الحكم إلى الواجهة إشكالية الزواج العرفي حيث يلجأ عدد من الأشخاص إلى الزواج العرفي بطفلات، وعند تعرض الطفلة إلى عنف أسري ولجوئها إلى القضاء يطرح تكييف هذا الفعل، بحيث تلجأ بعض المحاكم إلى تكييف هذه العلاقة على أساس أنها تغرير بقاصر أو هتك لعرضها بدون عنف، في المقابل تلجأ محاكم أخرى لاعتبار هذه العلاقة بأنها زواج غير موثق، وتكيف الفعل باعتباره عنفا في إطار الفصل 400 من القانون الجنائي؛
في نفس السياق، تلجأ عدد من المحاكم في مناقشتها لجرائم العنف الممارس ضد طفلات في إطار الزواج العرفي الى عدم مناقشة وجود الزواج العرفي من عدمه، خاصة بعد انتهاء الأجل القانوني المحدد في المادة 16 المتعلقة بثبوت العلاقة الزوجية غير الموثقة، وتعتبر أن أي علاقة جنسية تمت بين طرف راشد وطفلة تشكل جنحة هتك عرض قاصر بدون عنف، ويمكن أن ترتقي الى درجة جناية اذا كان سن الطفلة أقل من 15 سنة، باعتبار أن العنف مفترض في مثل هذه العلاقات لغياب عنصر الرضا؛