إعداد-عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك حلقات متسلسلة على امتداد الشهر الفضيل من كتاب “محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه محمد العربي المساري ، والذي يرصد الحركة التحررية التي قادها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف بشمال المغرب في الفترة بين عامي 1921 و1926 ضد الإستعمار الإسباني.
الكتاب يتوقف بتؤدة عند جانب معين من هذه الفترة المهمة من تاريخ المغرب المعاصر،. والتي تميزت لحرب التحرير التي قادها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، ضو القوة الإستعمارية الإسبانية المتحفزة والمتربصة انطلاقا من الثغور التي تسيطر عليها .
كما يستعرض الكتاب فصول حرب الريف شارحا كيف تمكن زعيمها الخطابي من الموازاة بين متطلبات الحرب، وبين التأسيس لنظام سياسي في المناطق المحررة، وهو مشروع يوجزه الكاتب في أنه “ارتقى بالفكر السياسي المغربي، وليس فقط في الريف، من مستوى القبيلة إلى أفق الوطن”.
الحلقة الثانية :
وحتى الخمسينيات كان الأمير يرد حينما يقال له ومن أين نأتي بالسلاح لكي نخوض حرب التحرير – وكأنه يردد بديهية من البديهيات – إن السلاح موجود عند العدو وما على المرء إلا أن يسعى لأخذه .
وأشد ما كان يؤذي الإسبان من طرف المجاهدين هو أن هؤلاء كانوا شغوفين بضرب الحصار على معسكراتهم. وكثيراً ما كان المجاهدون لا يتكبدون كبير عناء في تلك العمليات، لأنهم يختارون أهدافهم بدقة، لأنهم سادة الجغرافيا، وحينما تشتد وطأة العطش على المحاصّرين (بفتح الصاد) يقرر المجاهدون الإجهاز على العدو، وتتم لهم الغلبة ولا يبقى من رجال العدو إلا من يوصل الخبر إلى القيادة.
وكان يتأتى أحياناً تموين المحاصّرين بواسطة الطائرات التي كانت ترمي إليهم بكتل من الثلج، ينزل بعضها عند المجاهدين.. وبعض العمليات التى حوصرت فيها فرق وافرة العدد أنجزت ببندقيات معدودة. حاملوها مشهو عنهم أن طلقاتهم لا تخطئ المرمى؛ لأن ضرورات الاقتصاد أملت عليهم أن يتعلموا أن تكون الرصاصة برّجل. وبشيء من حسن التسديد يمكن للرصاصة أن تصيب اثنين، على الأقل.
وكان المجاهدون يتربصون عند ربوة مشرفة على أهدافهم ويمنعون العدو من الاقتراب من مصادر المياه. إلى أن يتقرر الزحف أو يقرر العدو أن يستسلم. قال بيتان عن رجال الخطابي : إنهم أقوى عدو جـابـهـناه في المستعمرات .
أدبيات حرب الريف كثيرة ومكتوبة بكل لغات الدنيا . والجوانب التي ينبغي أن تدرس من تلك الثورة متعددة. ولست أنا من يقول إنها كانت نموذجاً في الممارسة السياسية، أعطت إنتاجاً جديداً هو أسلوب حرب التحرير الشعبية بالمفهوم الحديث.
وهي تتويج لتجارب عرفتها المنطقة من خلال مواجهات كان رهانها هو التمسك بالأرض. فمنذ 1909 وهو تاريخ أول نزول كثيف لجيش استعماري في الأرض المغربية تمهيداً لفرض الحماية إلى 1934 وهو تاريخ انتهاء حروب الإخضاع التي شنها الفرنسيون والإسبان، كانت كل المعارك التي جرت لرد هجوم جيش يغزو . لكن الحرب التي قادها الخطابي تميزت بأنها كانت عملية مبيتة، وراءها تخطيط . كانت القبائل تخوض من قبل معارك المقاومة وهي مشتتة. وكانت تواجه ببطولة واستماتة الزحف المنتظم للجيوش الغازية. وكانت تأتمر بزعمائها الذين قرروا أن يموتوا وهم يدافعون عن الأرض. كانت معارك ليس لها أفق، فقط الموت قبل العار. قال غيوم عن المعارك التي خاضها في المغرب إن كل شبر كلفنا معركة.
أما الحرب التي قادها الخطابي فهي كانت ذلك كله وأيضاً كانت جزءاً من مشروع وطني قانونها هو الموت في سبيل الحياة. وقام ذلك المشروع على أساس أن الاستعمار نمر من ورق، حينما يكون الشعب سيد قراره. فقد امتازت تلك الثورة بأنها ابتكرت لنفسها تنظيمات سياسية. كان قائدها يؤمن بأن العمل السياسي مع الجماهير يجب أن يسير في خط متواز مع العمل العسكري المضبوط . لقد أعطت الثورة الريفية تنظيمات ومؤسسات وابتكرت أساليب جديدة على العالم أنذاك ، وهو ما يميزها.