نشر بشراكة مع DW العربية
من بعض ما تعلمناه من أزمة كورونا عام 2020، هو أننا اعتدنا على وجود أسئلة أكثر من أجوبة فيما يخص “كوفيد-19″، مثل مدة بقاء الفيروس حيا على الأسطح الصلبة، أو الأعراض المحددة عند الإصابة به، أو ما يتعلق بالمناعة المكتسبة من الإصابة بالمرض.
لكن بالرغم من ذلك، تنبعث فينا روح الأمل مع كل دراسة جديدة، لعلنا نقتبس منها بعض المعلومات الجديدة حول هذا المرض. إحدى تلك الدراسات هي تلك التي صدرت مؤخراً في دورية “ذا لانسيت – الأمراض المعدية” (“The Lancet – Infectious Diseases”)، والتي تناولت خامس حالة موثقة في العالم للإصابة المتكررة بكوفيد-19.
المختصر المفيد هو أنه ما تزال بعد تلك الدراسة أسئلة عالقة بصدد المناعة، وما زالت هناك حاجة للمزيد من الفحوصات، بحسب ما خلص إليه الباحثون المشاركون في الدراسة.
إلا أن الدراسة تطرح فرضيات مختلفة وتطالب بقية الباحثين بإيجاد حل للغز المناعة من فيروس كورونا المستجد.
إصابة أقوى من الأولى
المريض محل الدراسة شاب في الخامسة والعشرين من العمر من مقاطعة واشو بولاية نيفادا الأمريكية، وُجدت نتيجة اختباره إيجابية لنوعين مختلفين من فيروس “سارس كوف 2”. هذا يؤكد أن العدوى الجديدة يمكن أن تحصل بعد فترة قصيرة فقط من العدوى الأولي، وأنها أقوى من سابقتها. بين العدوى الأولى للشاب الأمريكي في أبريل/ نيسان من هذا العام والعدوى الجديدة، كانت نتيجة اختبارين لفيروس كورونا لدى هذا الشاب سلبيتين.
لكن في يونيو تم نقله إلى المستشفى بعد ظهور أعراض إصابة قوية بكوفيد-19، من بينها الحمى والصداع والإعياء والكحة والغثيان والإسهال. في المستشفى، جاءت نتيجة اختبار كوفيد-19 لديه إيجابية. حالياً تم تسريح الشاب من المستشفى بعد تحسن حالته وشفائه من العدوى الثانية.
وكتب القائمون على الدراسة أن الإصابة بكوفيد-19 لا يؤدي بالضرورة إلى تطوير مناعة كافية ضد الفيروس لمنع الإصابة به مجدداً. هذا يعني: الحفاظ على مسافة الأمان وارتداء الكمامة وغسل اليدين بشكل دوري.
مجرد تكهنات
ويقول مارك باندوري، من مختبر ولاية نيفادا للصحة العامة في جامعة نيفادا، وهو الباحث الرئيسي في الدراسة: “ما يزال هناك الكثير مما نجهله عن الإصابة بسارس كوف 2 ورد فعل جهاز المناعة عليه. لكن نتائج دراستنا تشير إلى أن الإصابة بسارس كوف 2 لا تحمي بالضرورة من إصابة جديدة”.
ويضيف باندوري: “من المهم الانتباه إلى أن هذه حالة واحدة فقط لا تسمح من خلالها بالتعميم على الظاهرة بأكملها. حتى مع وجود حاجة للمزيد من الأبحاث، فإن أي إصابة جديدة بالفيروس ستكون لها تبعات كبيرة على فهمنا للمناعة المكتسبة من كوفيد-19، خاصة في ظل نقص في اللقاحات الفعالة”.
قواسم مشتركة بين الحالات؟
بعد فحص الحمض النووي للفيروس المأخوذ من جسم المريض في أبريل/ نيسان ويونيو/حزيران، وجد الباحثون اختلافات بينهما، ما يعني أن المريض تعرض لنوعين مختلفين من سارس كوف 2، بحسب الدراسة. وإلى جانب الشاب من نيفادا، تم توثيق أربع حالات إصابة ثانية بفيروس كورونا في بلجيكا وهولندا وهونغ كونغ والإكوادور. لكن مريض الإكوادور فقط هو من أظهر أعراضاً أشد وطأة عند إصابته بالفيروس مجدداً.
ويوضح مارك باندوري: “نحن بحاجة إلى مزيد من البحث كي نعرف مدة المناعة التي يحصل عليها من أصيبوا بسارس كوف 2، ولماذا – رغم ندرة حالات الإصابة بالفيروس مجدداً – تكون أعراض الإصابة الثانية أشد من الأولى … حتى الآن لم نر سوى حالات إصابة ثانية معدودة على أصابع اليد الواحدة. لكن ذلك لا يعني عدم وجود المزيد، لاسيما وأن كثيراً من حالات الإصابة بكوفيد-19 تمر بدون ظهور أي أعراض. حالياً لا يمكننا سوى التكهن بأسباب الإصابة بالفيروس مجدداً”.
بشكل مشابه لمريض الإكوادور، أظهر المريض الأمريكي أعراضاً أشد عند إصابته بالفيروس مرة ثانية. أما الحالات في بلجيكا وهولندا وهونغ كونغ فلم يكن هناك فرق في شدة الأعراض بين الإصابتين الأولى والثانية.
فرضيات مختلفة
لهذا، طرح القائمون على الدراسة عدة فرضيات لتفسير شدة الأعراض في حالات الإصابة الثانية، منها أن المريض ربما تعرض لكثافة أكبر من الفيروس في المرة الثانية تسببت في ظهور أعراض أشد، او ربما يكون قد أصيب بنوع أكثر انتشاراً من الفيروس في المرة الثانية.
فرضية أخرى هي أن مبدأ التعزيز المعتمد على الأجسام المضادة (ADE)، والذي تستخدم من خلاله الفيروسات جهاز المناعة للانتشار بشكل أكبر في الجسم، قد يكون السبب. هذه الظاهرة تمت مراقبتها لدى فيروس سارس كوف بيتا، بالإضافة إلى أمراض أخرى، مثل حمى الضنك. من خلال هذه الآلية، تقوم الأجسام المضادة المعززة للإصابة بالارتباط على سطح الفيروس ليس من أجل مكافحته، بل كي تستقبله خلايا الجسم بشكل أفضل، وبهذا تدعم تلك الأجسام المضادة تكاثر الفيروس.