الرباط-قمر خائف الله
تعتبر دباغة جلود الأضاحي من المهن الموسمية التي تشهد رواجا كبيراً خلال أيام عيد الأضحى، نظراً لكثرة الجلود “البطاين”، التي تتوفر في هذه المناسبة، فهي حرفة تقليدية امتهنها العديد من المواطنين المغاربة، وكانت بالنسبة إليهم مهنة لكسب لقمة العيش، ومحاولة لمنع اندثار حرفة الأجداد التي تعد من أكثر الحرف التقليدية قدما بالمملكة.
تتوزع مدابغ المغرب بعدد من المدن المغربية كمدينة فاس التي تشتهر بكثرة بهذه الحرفة، إلى جانب مدن أخرى كسلا ومراكش، تحتضن هذه الأماكن آلاف الدباغة الذين يعملون على شراء جلود الماشية من أجل تدويرها وجعلها قابلة للتصنيع، لكن بطرق تقليدية ومواد طبيعية صرفة، استعملها قبل هذا العصر دباغو الإغريق والرومان، وحافظ المغاربة عليها.
تتجمع عشرات الجلود أمام أبواب المدابغ، في منظر شبه مقزز لا يستطيع الناظر إكمال النظر فيها بالإظافة إلى الرائحة التي تنبعث من بعيد خصوصا خلال فصل الصيف، لاكن يعمل العاملين في هذه الحرفة إلى تنقية الجلود ووضعها في “المركل” لمدة 10 أيام لتتشبع بألوان الصباغة، بعدما تتم تنقيتها وغسلها بشكل جيد باستعمال مواد كالجير وفضلات الحمام، ومن ثم يقوموا برميها داخل الـ “جفنة”، ليتم دبغها، وهي “عملية تحتاج قوة وطول بال بسبب ما تستلزمه من تحريك مطول من أجل تشبع الجلد بالمواد الملونة.”
الألوان التي تصطبغ بها الجلود، تستخرج بالأساس من قشور الرمان والزعفران ومواد طبيعية أخرى، فمن أجل الحصول على جلد ناعم، تمر هذه الجلود من مراحل قد لا يصدقها العقل، فبعد ترقيدها لأيام متتالية، لتصبح لينة وقابلة لامتصاص سوائل الأصباغ الطبيعية، يتم بعدها ترقيدها في الحناء، قشور الرمان، عشبة “تكاوت” أو العفص، “بلعمان” أو الخشخاشية و”حجر النيلة” وغيرها.
فصناعة الدباغة كما تشير المراجع التاريخية، كانت تمثل صناعية أساسية ومحورا محركا اقتصاديا للبلد، حتى إنها وصلت قديما نظرا لجودتها العالية إلى العديد من المراكز التجارية في إفريقيا وأوروبا والعالم الإسلامي، إنها تتوسط سلسلة من المهن، الرهينة بها أو التي تتوقف هي نفسها عليها.
تبدأ سلسلة هذه الحرفة بالفلاحة وتربية المواشي، التي تزود المسالخ بالحيوانات، وهذه تدفع بجلود الأغنام المسماة “البطاين” إلى مهنة اللباطة المتخصصة في جلود الأغنام، أي الذين يسقطون الصوف عن الجلد، ثم من هذه المهنة الأخيرة تصل إلى الدباغين، والجلود المدبوغة تتوقف عليها العديد من مهن الضروريات مثل صناعة “البلاغي”، الحقائب، الأحزمة والمقاعد، أو مهن الكماليات من أدوات زينة البيوت والمحلات.
أما اليوم، فقد عرفت هذه الصناعة منافسة آلية وكيماوية شرسة، جعلت مزاولي هذه المهنة يتقلصون بشكل بين، كما أنهم أدخلوا هم أنفسهم مواد كيماوية سامة وضارة للإنسان والبيئة في مهنتهم من أجل الإسراع في تحضير المنتوج وتخفيض كلفة الإنتاج.