الرباط-متابعة
تحدثت بوشرى المالكي النائبة البرلمانية السابقة، عن وضعية المرأة المغربية في عهد الملك محمد السادس، وأكدت أن الملك أعطى توجيهاته للارتقاء بوضعية المرأة في المجتمع، وإعطائها كل الفرص الكفيلة بتمكينها، وتحصينها من كل أشكال التمييز والاستغلال.
كيف تنظرين إلى وضعية المرأة منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش؟
عرفت وضعية المرأة في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ثورة حقيقية في سياق دينامية مجتمعية وتنموية، بوأت المرأة موقعا هاما،يمكنها من المساهمة في بناء مغرب جديد قوي ومتطور. إذ ما فتئ جلالته يؤكد على هذا التوجه في مختلف خطبه السامية، وتوجيهاته السديدة، من أجل بلورة سياسات عمومية وبرامج وطنية قطاعية، للارتقاء بوضعية المرأة في المجتمع، وإعطائها كل الفرص الكفيلة بتمكينها، وتحصينها من كل أشكال التمييز والاستغلال.ويتجسد الاهتمام الملكي أساسا في ترسيخ مكانة المرأة وضمان حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، المشروعة والعادلة،إيمانا من جلالته بالدور الذي يمكن ان تلعبه المرأة إلى جانب الرجل في تنمية البلاد، في إطار نموذج تنموي يستجيب لكل متطلبات العصر، ومواجهة الصعاب والتحديات.
عرف العهد الجديد قرارات جريئة من أجل التمكين السياسي للمرأة، كيف كانت آثار هذه القرارات على وضعية النساء بالمغرب؟
تميز العهد الجديد بالعديد من الإصلاحات العميقة لفائدة المرأة، أبرزها مدونة الأسرة، القائمة على اجتهاد فقهي وحوار مجتمعي، في ظل إمارة المؤمنين. وقد جاءت المدونة، أساسا، لحماية المرأة والأسرة وضمان حقوق الطفل؛ مشكّلة بذلك ثورة اجتماعية وثقافية هادئة، أثرت إيجابا على وضعية المرأة، وعلى صيانة مكتسباتها الحقوقية والأسرية والاجتماعية. ولتحسين هذه المدونة وجعلها قادرة على مواكبة العصر ومستجداته. مما حدا بصاحب الجلالة إلى التأكيد في خطاب العرش لسنة 2022 على ضرورة تجاوز العوائق التي واجهت مدونة الأسرة“وهنا، ندعو لتفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات وتشريعات لنهوض بوضعيتها. وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة على الأمام، فإنها أصبحت غير كافية لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة وتحول دون تحقيق أهدافها، ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة”.
مما يستوجب تفكيرا جماعيا، من أجل العمل على تحيين الآليات والتشريعات المرتبطة بالمرأة والأسرة، وجعلها مواكبة للتطورات والتراكمات الحقوقية والمجتمعية المكتسبة خلال السنوات الماضية. مما يستلزم إسهام كل القوى الحية في مجتمعنا، في بناء تصور واضح وموضوعي من أجل إصلاح مدونة الأسرة. أما في ما يتعلق بالمكتسبات الحقوقية الأخرى فيكفي أن أذكر منح الجنسية المغربية للمرأة المتزوجة من أجنبي، وتمكين المرأة من حقها الشرعي في الإرث، وفسح المجال للنساء لممارسة مهنة العدول؛ فضلا عن إصدار القانون رقم 14/92 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
أما على مستوى حضور المرأة الوازن على أرض الواقع، فنسجل أنها أخذت تفرضنفسها على جميع الجبهات، وفي جميع المجالات، وفي الوسطين القروي والحضري، وحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2020 أنها تسير16,7 بالمائة من الأسر المغربي، وفي مجال الأعمال تبلغ نسبة المقاولات التي تسيرها نساء 12,8 بالمائة. إذ تحضر في قطاع الخدمات بنسبة 17,3 بالمائة، وفي قطاع التجارة بنسبة 13,8 بالمائة.
كما أنها تشغل مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية بنسبة 23,5 بالمائة. ولإبراز المكانة التي تحتلها المرأة في مواقع القرار، نذكر أن الحكومة الحالية تضم 7 نساء وزيرات، أي ما يمثل ثلث الحقائب الوزارية. في مقابل 4 وزيرات في الحكومة السابقة، فضلا عن ترؤس النساء لجماعات محلية للحواضر الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش. فضلا عن 96 برلمانية من 395 مقعدا.
إلى أي حد استطاعت الأحزاب السياسية أن تواكب الرؤية الملكية في تمكين المرأة على مختلف المستويات؟
لقد حققت المرأة المغربية إنجازات هامة، مكنتها من الانخراط في التحولات التي يشهدها المغرب بشكل بارز، غير أن الضرورة تدعو إلى المزيد من التعبئة في معركتها من أجل التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحقيقالمزيد من الحقوق، فضلا عن تحصين الحقوق المكتسبة. وتتجلى التعبئة في النقاش الدائر حول تنزيل مقتضيات دستور 2011، الذي جاء بمقتضيات أكثر إنصافا للمرأة المغربية، وخاصة إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، إضافة إلى مصادقة المغرب على الاتفاقيات والمواثيق الدولية في هذا الباب.
أما بالنسبة لمساهمة الأحزاب السياسية في عملية تمكين المرأة، فهي ملزمة بتشجيعها على الانخراط في الحياة السياسية، ودعمها في البرلمان والمجالس المنتخبة، باستقطاب وتكوين نساء قياديات، تمثلن الحزب داخل الأوساط والهيئات السياسية. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى صندوق الدعم المخصص لتشجيع تمثيلية النساء، الذي أنشئ سنة 2009 بتوجيهات ملكية سامية، وهو آلية تروم تعزيز قدرات المرأة لتسهيل اندماجها في الحياة السياسية والانتخابية الوطنية، وتحقيق التكافؤ بموجب المادة 19 من دستور عام 2011. وقد أطلق الصندوق الذي تبلغ ميزانيته 10 ملايين درهم سنويا، سبعة طلبات عروض مكنت من تمويل أزيد من 350 مشروعا في مختلف مناطق المملكة.
من جانب آخر، وفي غياب مقاربة تدمج النوع الاجتماعي في كل مجالات ومناحي الحياة، وتعزز حضور المرأة في مراكز القيادة والمسؤولية، تبقى قضية التمكين السياسي للمرأة مجرد مسألة عابرة لا تستحضر إلا في مناسبات ظرفية.
فإذا عدنا إلى أدبيات الأحزاب السياسية المغربية، يلاحظ أن الكل يعتمد خطاب المساواة والمناصفة في المناصب السياسية، وضرورة تمكينها من مواقع اتخاذ القرار، لكن حين يتعلق الأمر بإنزال هذا الخطاب إلى أرض الواقع، ورصد مدى تبني الأحزاب لشعاراتها، نجد الأمر مخالفا تماما. فحضور المرأة على في الأجهزة الحزبية يظل محدودا، إذ لا تزال رئاسة الأحزاب، في الغالب، مقتصرة على الرجال، فضلا عن شيخوخة القيادات، وهيمنة الأفكار التقليدية، مما يعوق انتاج نخب وقيادات نسائية جديدة، مع بعض الاستثناءات (كحزب الأصالة والمعاصرة مثلا)، التي تعمل على خلق هياكل سياسية نسائية لتقريب المرأة المتحزبة من مشاكل وهموم الساكنة النسوية وتشكل كثلة ناخبة مهمة، وقيادات نسائية مستقبلة. وبالتالي، فإن الأحزاب السياسية مدعوة إلى التعامل مع إشكالية المساواة والمناصفة بشكل أكثر جدية والتزاما.
كيف تنظرين إلى الحكمة الملكية في الوصول إلى توافقات مجتمعية حول قضايا المرأة؟
تقتضي الحكامة الجيدة أن تعالج أمور الدول بالحكمة والتبصر، والاحتكام إلى العقل وتغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الفئوية، وعلى النزعات الطائفية والإيديولوجية. وهذا كان دأب جلالة الملك محمد السادس في معالجة القضايا والإشكاليات الكبرى التي تعترض طريق بلادنا، ويسجل التاريخ مجموعة من التحكيمات الملكية لمعالجة العديد من القضايا المصيرية، بتجاوز مظاهر الصراعات، باعتباره أبا للمجتمع وحريصا على سلامته واستقراره. ولم تكن القضايا المرتبطة، بهذا الدور التحكيمي عالج قضية تعديل مدونة الأحوال الشخصية، التي كانت تعرف جدالا محتدا بين الاتجاه الأصولي والاتجاه الحداثي، ليأتي التدخل الملكي ليحسم الجدال، ويعطي الأولوية لتمكين المرأة المغربية من حقوقها وتجاوز وضعيتها الهشة. بهذه المنهجية الحكيمة يهدئ الملك الأوضاع، ويحقق الإجماع الوطني. يقول جلالته في خطاب بالمناسبة ” “فضلا عما اتخذناه للنهوض بأوضاع المرأة وإنصافها، فإننا لم نتردد في تجنيب المجتمع مغبة الفتنة حول هذه القضية”. وقد توج التحكيم بصدور مدونة للأسرة، جعلت من المرأة المغربية شريكا أساسيا في تحمل المسؤولية الأسرية، والتمتع بصفة المواطنة الكاملة.
هكذا ظل جلالة الملك حريصا على النهوض بأوضاع المرأة، انطلاقا من إيمانه العميق بدورها الأساس في بناء مغرب التقدم والكرامة، والدفاع عنها في كل المناسبات، وفي العديد من خطبه السامية. ففي خطابه الأخير، بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2022، يؤكد على دور المرأة الهام في مواجهة التحديات المستقبلية. يقول جلالته: “إن بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية. لدى، نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات”.
إن الإيمان بأهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية عند صاحب الجلالة برز منذ توليه السلطة، وقد عبر عن هذا الأمر في خطاب العرش 2022 بقوله: “لقد حرصنا منذ اعتلائنا العرش على النهوض بوضعية المرأة وفسح افاق الارتقاء لها واعطائها المكانة التي تستحقها… والامر هنا لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية وانما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية؛ وفي المغرب اليوم لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها، وهنا ندعو لتفعيل المؤسسة الدستورية”.
هكذا، وبفضل حكمة الملك محمد السادس وتبصره، ونضالاتها المستمرة برعاية جلالته، حققت المرأة المغربية الكثير من المكتسبات التاريخية في العهد الجديد.