24 ساعة- محمد أسوار
أثار القرار الصادر عن البنك المركزي المغربي، الأسبوع الجاري، والقاضي برفع سعر الفائدة إلى 2 في المائة لمواجهة التضخم المهول، مخاوف في أوساط المتتبعين للشأن الاقتصادي في المملكة، بسبب آثاره السلبية المتوقعة على الاستثمارات والولوج إلى القروض البنكية.
هذا القرار كان متوقعا، بالنظر إلى أن الظرفية الدولية والتوجه للعالمي دفع البنوك المركزية الكبرى لاتخاذ قرارات برفع سعر الفائدة، كما هو الحال بالنسبة للبنك الفيدرالي الأمريكي أو البنك المركزي الأوروبي. لكن بالنسبة للمغرب هناك تساؤلات ومخاوف كبيرة.
مذهب اقتصادي كلاسيكي
يرى الخبير الاقتصادي المغربي البارز، نجيب أقصبي، أن قرار بنك المغرب يعتمد على مذهب اقتصادي كلاسيكي، يعتبر أن وقف التضخم يقتضي التقليص من النمو الاقتصادي.
وأبرز أقصبي، في حديث عن الموضوع لـ ”24 ساعة”، أن المذهب المذكور يستند على نظرية أساسها الرفع من سعر الفائدة الذي يرافقه بشكل أوتوماتيكي رفع موازي في نسبة الفائدة لدى الأبناك، مما يضطر معه المستثمرين والمستهلكين إلى التقليص من الاقتراض بكثافة، الأمر الذي يخلق انكماشا اقتصاديا وتقليصا في ديناميته وحركيته، مما سينتج عنه انخفاضا في الطلب وبالتالي انخفاضا في الأسعار.
وتساءل أقصبي عن مدى جدوى هذا المذهب النيوليبرالي الكلاسيكي في الاقتصاد المغربي وهل يتمتع بالآليات الضرورية، على غرار الاقتصادات الغربية، لتُطبق عليه هذه النظرية؟
كما أوضح ذات الخبير الاقتصادي أن هذا القرار سيكون له تأثير إيجابي لو ”كنا نعيش في انتعاش اقتصادي والحال أن 2022 سنة انكماش”.
انكماش اقتصادي
سجل الخبير الاقتصادي المغربي؛ في هذا السياق؛ أن والي بنك المغرب، اعترف بنفسه، بهذا الانكماش، حين قال إن معدل النمو الاقتصادي لن يتجاوز خلال السنة الجارية 0.8 في المائة، “وبالتالي لماذا اللجوء إلى تخفيض سعر الفائدة لتحقيق انكماش أكثر؟”، يتساءل أقصبي.
ويرى أن انخفاض الدينامية الاقتصادية تعني أن مستوى الطلب ”الماكرو اقتصادي” ضعيف جدا، وهو ما يعني أن المقاولات والمستهلكين لا تلجأ إلى الاقتراض، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي في المغرب، أصلا في وضع انكماش، مشددا على أن قرار بنك المغرب رفع نسبة الفائدة ”لا يتناسب مع الوضعية الاقتصادية الراهنة”.
في نفس المنوال، أبرز أن إجراء بنك المغرب إذا زاد في تعميق الأزمة، فإن المقاولات ستكون مضطرة إلى تأجيل استثماراتها لسنة أو سنتين، وهو ما يعني عمليا ارتفاع نسبة البطالة.
خطأ كبير في التشخيص
من جهة أخرى، يرى أقصبي أن هناك خطأ كبير في تشخيص ومعاينة أسباب ارتفاع التضخم، الذي ولًد ارتفاع الأسعار في المغرب، مشددا على أن منبعه لم يكن ”داخليا كي يضطر بنك المغرب لرفع سعر الفائدة”، بل مرتبط أساسا بسياق خارجي عالمي.
وقال إن ارتفاع الأسعار، مس بشكل أساسي المواد المستوردة، خصوصا الطاقية والغذائية…، التي ارتفع سعرها على الصعيد الدولي، وانعكس ذلك على الوضع الداخلي للمغرب.
موقف مخالف
هذا الموقف الذي عبر عنه أقصبي يخالفه التوجه الذي استند إليه بنك المغرب، حتى وإن كان يعترف بأن تغيير سعر الفائدة لن يكون حلا لوحده. فبالنسبة للجواهري، لا يمكن للسياسة النقدية لوحدها أن تحل مشكل التضخم وارتفاع الأسعار.
وذهب الجواهري أن رفع سعر الفائدة الرئيسي لن يحل مشكل التضخم في غياب تظافر الجهود المرتبطة بالمراقبة وضبط الأسعار من قبل مختلف المؤسسات المعنية.
وشدد على أن رفع سعر الفائدة الرئيسي بـ 0.5 في المائة إلى 2 في المائة ليس حلا سحريا لارتفاع الأسعار إذا لم تتظافر الجهود من طرف جميع المؤسسات.
شر لابد منه
ويبقى هذا القرار شرا لابد منه، بالنظر إلى أن المغرب يعرف موجة تضخمية غير مسبوقة؛ حيث وصل معدل التضخم إلى 8% مع نهاية غشت الماضي.
وبالرغم من أن معظم مسببات هذا التضخم تبقى عوامل خارجية ناتجة عن هذا الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات ومجموعة من المواد الأولية، فإن التعاطي معها لابد أن يشمل إجراءات داخلية.
ورغم الآثار السلبية المتوقعة لاسيما بالنسبة لمعدل البطالة، إلا أن القرار سيكون له أثر في كبح جماح الاستهلاك.
وبالتالي العودة إلى مستويات منخفضة للتضخم بدل ما نعيشه في هذه الظروفية.