الرباط-عماد مجدوبي
تشكل سنة 2023 نقطة تحول استراتيجية في علاقات المغرب، على المستوى الاقتصادي والتجاري، بدول الغرب الإفريقي.
فتجسيدا لرؤية ملكية استشرافية، تعكس تاريخ المملكة وعلاقاتها المتينة مع الدول الإفريقية. جاءت للملك محمد السادس، لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، في سياق استمرارية الجهود الدؤوبة التي تبذلها المملكة المغربية. من أجل جعل إفريقيا قارة مزدهرة، وذلك تجسيدا للتعاون جنوب – جنوب الذي يقوم على أساس شراكة رابح – رابح.
نحن إذن مبادرة متكاملة، برؤية استراتيجية وتوجهات واضحة، من شأنها أن تقلب موازين القوى الاقتصادية والتجارية في المنطقة، وأن تمنح للفاعلين في الغرب الإفريقية فرصة غير مسبوقة من أجل الانفتاح على الاقتصاد والتجارة العالمية. فهذه هذه المبادرة الملكية الجديدة ذات الأبعاد الإقليمية والدولية، تؤكد أن المغرب لا زال يولي، بقيادة عاهل البلاد، أهمية كبرى للبعد الإنساني والتنموي المستدام لدول منطقة الساحل، من خلال العمل الدائم على تعزيز التعاون الجريء والمبتكر بما يتماشى مع تطلعات القارة الإفريقية.
مبادرة متبصرة
وتندرج هذه المبادرة المتبصرة للملك، والتي تم إطلاقها بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، في إطار استمرارية الالتزام الفاعل والتضامني إلى جانب البلدان الإفريقية الشقيقة، والذي يشمل عدة مجالات. علاوة على ذلك، توجت الزيارات الملكية لبعض بلدان الساحل بالنجاح الكبير، بالنظر للعدد الهائل من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون المبرمة
بهذه المناسبة، فضلا عن مختلف الإجراءات التي قام بها جلالة الملك لفائدة الفئات المعوزة في البلدان التي زارها. وتتميز العلاقات التجارية بين المغرب ودول الساحل بالاستثمارات المباشرة الكبيرة للمملكة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، خاصة عبر الشركات الوطنية والبنوك المتواجدة في الساحة الاقتصادية لتلك الدول.
ولوج دول الساحل
وتجسيدا للرغبة الملكية في أن تتحول المبادرة إلى حقيقة بشكل قريب، انعقد بمراكش الاجتماع الوزاري لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، شارك فيه وزراء خارجية بوركينا فاسو وجمهورية مالي وجمهورية النيجر وجمهورية تشاد. وفي ختام هذا الاجتماع، أعرب الوزراء عن امتنانهم للملك محمد السادس، على هذه المبادرة وعلى العرض الذي تقدمت به المملكة المغربية بوضع البنيات التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية رهن إشارة دول الساحل، لتعزيز مشاركتها في التجارة الدولية.
ورحب الوزراء بالمقاربة الشاملة والتشاركية التي تم نهجها من أجل تجسيد هذه المبادرة، وأكدوا على طموحهم المشترك لتعزيز علاقات التعاون من خلال شراكات متعددة القطاعات وهيكلية ومبتكرة، تعكس قيم التعاون جنوب – جنوب والتنمية المشتركة. واتفق الوزراء أيضا على القيام، في أقرب الآجال، بإعداد المقترحات التي ستُعرضُ على أنظار الملك محمدالسادس وأشقائه رؤساء بوركينا فاسو وجمهورية مالي وجمهورية النيجر وجمهورية تشاد.
أبعاد استراتيجية
إن هذه المبادرة تبقى متفردة وذات أبعاد استراتيجية، سواء من حيث التفكير في إطلاقها أو من حيث الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها. ذلك أن إطلاق مبادرة ملكية من هذا الحجم إنما يؤكد مرة أخرى حرص الدبلوماسية الملكية على التضامن الإفريقي-الإفريقي وأن تظل المملكة رائدة المبادرة الهادفة إلى تمكين دول القارة من إمكانيات التطور والتنافس. لذلك، فإن المبادرة ستحقق لدول الغرب الإفريقي عددا من الإنجازات.
أولا، نحن نتحدث عن مبادرة ستجعل المغرب يوفر قواعده اللوجيستية من موانئ وطرق سريعة وسيارة، فضلا عن الاستفادة من المناطق اللوجيستية التي سيتم تشييدها. هذا يعني أن المنتجات الإفريقية ستجد طريقها إلى الأسواق الدولية بمرونة وأسعار تنافسية، وهو ما سيساهم بكل تأكيد في تعزيز تموقع اقتصادات دول الواجهة الأطلسية في الأسواق الدولية.