إعداد- عماد مجدوبي
قبل الاستعمار الفرنسي شهد المغرب فترة حكم السلطانين المولى الحسن الأول والمولى عبد العزيز والتي امتدت من سنة 1860 الى 1912 . تلك فترة حرفت أحداث تمرد من القبائل دفعت السلطان للتحرك المتواصل عبر محلاته,وهي التسمية التي اطلقت حينها على الجيش السلطاني.
تلك الفترة دون فصولا منها الطبيب الفرنسي لويس أرنو Louis Arnaud استنادا الى رواية شفوية للحاج سالم العبدي أحد قادة الجيش البخاري السلطاني (توفي 8 أبريل 1938 بالرباط)، وأصدر كتابا حولها سماه: زمن «لمحلات» أو المغرب ما بين 1860 و1912 .(Au temps des «mehallas»- ou Le Maroc de 1860 à 1912). وسنقتبس اهم لحظاتها طيلة شهر رمضان الكريم .
الجزء الثامن/قبيلة الرحامنة تعلن العصيان
بعد الوفاة المفاجئة والغامضة للسلطان محمد الرابع بن عبد الرحمان مباشرة بعد تناوله وجبة حساء كما أسلفنا، سيعتلي ابنه مولاي الحسن العرش. وتزامنت الوفاة مع وجود هذا الأخير الذي هو خليفة للسلطان الراحل على مراكش في حملة عسكرية على قبيلة حاحا، وبالضبط بمنطقة «بوريقي» قرب دار القايد أنفلوس بحوض واد «ئيكر ؤونزار». ومن هناك تم تنصيبه سلطانا على البلاد. وغادر العملية العسكرية متوجها صوب مراكش، وبها سيقضي شهرا كاملا (شهر شتنبر سنة 1873).
وفي طريقه إلى مراكش سيصل إلى علم السلطان الجديد أن قبائل الرحامنة لما علموا بوفاة السلطان محمد أعلنوا العصيان على القايد «ولد بلة»، الذي يتهمونه بحبس قائدهم القديم عبد الحميد الصويري بمدينة موغادور (الصويرة).
وعلى الفور اتخذ السلطان مولاي الحسن أولى قرارته وتتمثل في إطلاق سراح القايد السجين، بل عينه على رأس قبائل الرحامنة.
كان السلطان مولاي الحسن طويل القامة، رقيقا وقويا، بوجه لطيف وسحنة سمراء وعينين سوداوين واسعتين وثاقبتين، وأنف أقنى وخدين ممتلئين، وشفتين مثمرتين ولحية سوداء.
وخلال فترة توليه مهمته كخليفة على مراكش، كان يحظى باحترام المغاربة المثقفين منهم والأغنياء وحتى الفقراء، بل إن بعضهم تنبأ له أن يكون سلطان له شأن عظيم شأن السلطان مولاي اسماعيل (1672 -1727)، ولم يتردد البعض الآخر في القول إن السلطان محمد كان مصيبا جدا بتعيينه مولاي الحسن وليا للعهد وإن لم يكن الابن الأكبر. كان الكل سعيدا ويدعون له بطول العمر.
في طريق عودته من حملة إخضاع عائلة «أوبيهي» المتمردة ضد قائدها، سيصطحب معه بعض الجنود النظاميين ووحدات القبائل المجاورة من عبدة والشياظمة ومتوكة ودكالة واحمر وكلاوة ودمنات، وحين دخل مراكش سيجد استقبالا شعبيا منقطع النظير في انتظاره، حيث انحنى أفراد المخزن أمامه لتقديم البيعة له. واحتفظ السلطان الجديد بجميع وزراء والده بمن فيهم الخلفاء على المناطق باستثناء مولاي عثمان، الذي عينه قائدا على منطقة مراكش.
بعد مكوثه بمدينة مراكش شهرا تقريبا، سعى إلى إيجاد حلول لكل المشاكل المستعجلة والعالقة. وقرر بعدها السفر إلى مكناس مرورا بالرباط للقيام بزيارته المعتادة إلى ضريح مولاي ادريس زرهون، والتي بدونها لا تكتمل البيعة سيرا على عرف السلاطين.
وهكذا عبرت محلته نهر أم الربيع عبر مشرع بن عبو، ونزلت المحلة بسيدي حجاج. في الطريق كان الجو ممطرا بغزارة كما هبت رياح قوية، ولم يكن بالإمكان شد الخيام بسهولة، حتى أن الأرجل انغرست في الوحل إلى منتصفها (أكتوبر 1873)، وعبرت بعد ذلك النفوذ الترابي لقبيلة «مزاب» ثم وصلت إلى الرباط عبر زعير، ومن الرباط أرسل السلطان مولاي الحسن، كما جرت العادة، فرقة استطلاع نحو بني احسن الذين يشك دوما في ولائهم. وكانت هذه الفرقة الاستطلاعية مكونة من عناصر من الخيالة بقيادة «الخوجة» والمشاة بقيادة ابن المختار.
وبعد وصولها إلى منطقة تقع بين «للا يطو» و«واد بهت»، فوجئ الجنود بالقائد العربي لكحل الحسناوي على رأس حملة مختلطة من قبائل زمور وبني احسن. وبعد دحر القائدين الخوجة وابن المختار، عادا نحو الرباط خائبين بدون عتاد ولا سلاح، وفي نصف ثياب. وفي الطريق بين سلا والقنيطرة شاهدا محلة السلطان تتقدم، فوقف السلطان غير مبال لرؤية قائديه العائدين منهزمين، وكانا خجولين. فيما اختبأ بعض الجنود المنهزمين بين الصفوف.
وحين قرر حلق لحاهم عقابا لهم، تدخل الشرفاء الوزانيين المتواجدين في المحلة، وطلبوا من السلطان العفو والصفح للقائدين المنهزمين، خاصة أن حملات الحسناوي كانت مفاجئة ومباغتة لهم. فأصدر السلطان العفو عنهم. لكن طلب منهم إخباره بالمكان الذي وقعت فيه الواقعة بالضبط، إلا أنه عندما وصلت المحلة إلى الممر الخطير لم تجد أحدا، ويبدو, حسب الراوي سالم العبدي, أن المتمردين المنتشين بفرحة الانتصار على الوحدات السلطانية لم يريدوا ضياع فرصة السبق، واختفوا خوفا من الوقوع في قبضة السلطان الجديد الذي يريد بسط نفوذه وإحكام قبضته وجعلهم عبرة لغيرهم من القبائل.
وكان مولاي الحسن قد أرسل إليهم مرسولا لإخبارهم بأنه سيذهب إلى مولاي إدريس, وأنه بامكانهم الذهاب إلى مكناس إن رغبوا في ذلك في أمان ولن يتعرض لهم أحد، وأن سلطانهم الجديد لا يريد لهم سوى الخير. ودون تخوف، وصل السلطان إلى الضريح، وهناك مكث أياما لإقامة الشعائر وإغداق الهدايا على شرفاء الزاوية، وبعد ذلك بدأ الإعداد للذهاب إلى مكناس قصد الاقامة بدار المخزن أي الإقامة المعتادة لوالده الراحل السلطان محمد بن عبد الرحمان.
يتبع..
مراجع معتمدة :
• Louis Arnaud،.(Au temps des «mehallas»- de 1860 à 1912). ou Le Maroc
* محمد بن عمر / ترجمة «زمن المحلات أو الجيش السلطاني ما بين 1860 و1912» لمؤلفه «لويس أرنو» (الطبعة الأولى – 2002، الناشر: أفريقيا الشرق – الدارالبيضاء / بيروت)
*^الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1997، الجزء 9، ص 207
* مجلة دعوة الحق. عدد 116 و96.
“* مؤلف جماعي “المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول (1873-1894 ، إشراف عبد القادر سبيل وإبراهيم أزوغ. منشورات كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة الحسن الأول بسطات
• جان مارى شيفير: “المغرب في عهد السلطان الحسن الأول 1989م