24ساعة-وكالات
شهد العام الجاري مفارقة تاريخية غير مسبوقة تمثلت في تساوي قيمة الدولار الأمريكي مع الجنيه الاسترليني لأول مرة في التاريخ وذلك كنتيجة لارتفاع سعر الدولار.
وقد اقترن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني مع انخفاض مماثل في قيمة اليورو الذي تساوى تقريبا مع الدولار لأول مرة منذ عشرين عاما جراء انخفاض العملة الأوروبية الموحدة بسبب تزايد المخاوف من حدوث ركود في منطقة اليورو على وقع أزمة الطاقة مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
ولم يقتصر الأمر على الجنيه الاسترليني واليورو بعدما تعرضت عملات رئيسية أخرى لانتكاسات، إذ انخفض الين الياباني بنسبة 20 بالمائة تقريبا مقابل الدولار هذا العام ليصل إلى أدنى مستوياته منذ عام 1998، فيما تراجعت عملة الهند “الروبية” إلى مستوى قياسي جديد بعد أن بلغ سعر الروبية الاثنين الماضي (26 أيلول/ سبتمبر) 80 روبية للدولار الواحد للمرة الأولى خاصة مع انسحاب المستثمرين من الأصول الخطرة في الأسواق الناشئة.
وقد كتب جورج سارافيلوس،رئيس أبحاث الصرف الأجنبي في “دويتشه بنك” في مذكرة للعملاء، إن الدولار “يشهد أكبر تجاوز في التقييم منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتتراكم في العالم حالة من عدم الارتياح ببطء جراء التقلب الشديد في الوقت الراهن”.
لكن ما هي أسباب صعود قيمة الدولار؟
من بين الأسباب الرئيسية لارتفاع قيمة الدولار هو السمعة الجيدة التي يحظى بها كملاذ آمن في أوقات الأزمات الاقتصادية. كذلك أجبر ارتفاع نسبة التضخم في منطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، المصارف المركزية على وضع قيود على الانفاق بالإضافة إلى أن المخاوف من حدوث انكماش دفعت المستثمرين للجوء إلى الأمان النسبي الذي يوفره الدولار، العملة الأقل عرضة نسبيا للمخاطر العالمية التي قد تتعرض لها العملات الأخرى حاليا.
ويعد قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة أيضا من الأسباب الرئيسية لارتفاع قيمة الدولار.
وقد أقدم الاحتياطي الفيدرالي بتشديد سياسته النقدية في محاولة لخفض معدلات التضخم المرتفعة، على عكس ما أقدم عليه البنك المركزي الياباني والبنك المركزي الأوروبي بالحفاظ على أسعار منخفضة للفائدة.
وقد خلق هذا الأمر فجوة كبيرة بين سعر الفائدة في أمريكا من جهة وبين سعرها في منطقة اليورو،الأمر الذي دفع المستثمرين للجوء إلى الدولار من أجل جنى مكاسب أكثر.
وجاء الارتفاع الأخير في قيمة الدولار مقابل الجنيه الاسترليني بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية عن أضخم تخفيضات ضريبية تقدم عليها البلاد منذ 50 عاما، كما تعهد وزير المالية كواسي كوارتنج بالشروع في مزيد من التخفيضات الضريبية. وقد أثار السخاء المالي للحكومة البريطانية المخاوف من قيام بنك إنجلترا برفع سعر الفائدة بشكل كبير.
وفي ذلك، قال سارافيلوس إن التحدي المباشر الذي تواجهه بريطانيا لا يتعلق بمعدلات النمو المنخفضة، وإنما بالصورة السلبية للميزان الخارجي الذي يعتمد على التمويل الأجنبي، مضيفا بأن “الإنفاق المالي الكبير قد يدفع صعود النمو قليلا على المدى القصير، لكن السؤال الأهم: من سيدفع الثمن؟ ”
ومن شان صعود قيمة الدولار أن يلقي بظلاله الثقيلة على الأسر والشركات في القارة الأوروبية، خاصة مع ارتفاع التكاليف. إذ يعني ضعف قيمة اليورو أن الواردات بالدولار ستصبح أكثر تكلفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواد الخام أو السلع الوسيطة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية في أوروبا. وبالنسبة للسائحين الأوروبيين الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة، فإن انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار سيعني إنفاقا أقل.