حوراء استيتو ـ الرباط
في سياق تطورات الحراك الإجتماعي الذي تعرفه منطقة الريف امغربي منذ وفاة بائع السمك محسن فكري، رآى عدد من المراقبين أن شرارة هذه الإحتجاجات قد تمتد رقعتها لتصبح “ربيعا” جديدا على غرار ما عرفته قب ست سنوات العديد من الدول العربية، أو ما بات يُعرف بالربيع العربي.
غير أن عددا من المختصين والمحللين السياسيين والباحثين الإجتماعيين، أجمعوا على استحالة تكرار هذه التجربة، نظرا للإختلاف القائم في العديد من المستويات والخصوصيات.
ففي هذا السياق، قال المحلل السياسي حسن السوسي، في تصريح لـ”24ساعة”، “اعتقد ان هناك خصوصية تميز ما جرى في منطقة الريف تبعده عن محددات ما سمي بالربيع العربي. وجوهر هذه الخصوصية ان الحراك مرتبط بمطالب اجتماعية ظلت في بعدها التنموي ظاهرة في مختلف شعارات الحراك خلال حوالي سبعة اشهر. وليس ليغير من هذا الواقع ارتفاع أصوات نشاز هنا وهناك تحاول اخراج الحراك من إطاره المطلبي الصريح هذا”.
وأردف السوسي، “أن ما سمي بالربيع العربي لم يكن عفويا كما تبين ذلك من خلال كل ما تسرب من معلومات حول خطط معدة مسبقا تحت مسمى الفوضى الخلاقة، في حين ان حراك الريف وليد ظروف محلية لا يغير من طبيعتها محاولات الركوب عليه ودفعه في اتجاهات غير الاتجاه الذي حدده لنفسه”.
واستدرك المحلل السياسي بالقول، “غير ان الذي ينبغي التأكيد عليه هو انه بقدر ما يتم معالجة مثل هذا الحراك بالسرعة والعمق الممكنين بقدر ما يتم ضبط إيقاعه ضمن حركة جماهيرية طبيعية تحصن نفسها من التدخلات او محاولات الاستغلال من اي اتجاه كان ولأي غرض غير اغراضه المطلبية الرئيسية”.
وشدد السوسي على “أن هناك إرادة مشتركة بين المعنيين الحقيقيين بهذا الحراك في مواكبته حتى يحقق مطالبه المحقة.
وليس هناك من اُسلوب ناجع في هذا السياق غير المزاوجة بين المبادرة الحكومية وبين استعداد مكونات الحراك للدخول في عملية حوار منظم يؤطر مختلف مراحل تلك المواكبة التي ينبغي ان لا تتوقف في اي يوم من الأيام”.
من جانبه، قال ناصر بوشيبة، الباحث في العلاقات الصينية – الافريقية بمعهد السياسة ،جامعة “صن يات سين”: “انا مقيم في الصين منذ سنة 1995، وهي السنة الذي يجمع الصينيون ان بلدهم ماضٍ في التطور الفعلي نظرا لنضج البنى التحتية وتطور أساليب التصنيع بمساعدة الغرب”.
وأشار بوشيبة، إلى أنه “خلال السنة الماضية أقوم بدعوة مستثمرين صينيين لزيارة المغرب شهريا، والانطباع العام الذي يبدونه ان المغرب يسير في نفس النهج الإيجابي الذي عرفته الصين في نهاية التسعينيات. اذا هناك عجلة للتنمية في البلاد ورؤية واضحة ليصبح المغرب دولة ناشئة كما فعلت الصين والبرازيل والهند”.
وأوضح بوشيبة في حديث مع “24ساعة”، أن “هناك توافق في المغرب من طنجة الى الكويرة باهمية الاستقرار والأمن للدفع بالاصلاحات الاجتماعية خاصة في المدن الصغرى والعالم القروي. وبالتالي لا يمكن ان تتطور احتجاجات عادية يضمنها الدستور الى فوضى، وانا واثق اننا سنتجاوز الوضع الحالي بالحوار والعمل الجاد”.
وحول ذات الموضوع، تساءل محمد الغرفاوي، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة الحسن الثاني، “كيف يمكن الاستمرار في الثقة بأكذوبة هذا “الربيع” بعد ما واعد شبابا مغررا بالحرية و الكرامة و العدالة و تحسين الأوضاع، في حين لم يأتي إلا بشلال دماء و دمار و اندحار، فلا عدالة أقيمت ولا كرامة حصلت ولا أوضاع تحسنت ولا خراب توقف؟”
وقال الغرفاوي ضمن مقال يرد على فيه على أطروحة “عودة الربيع”، إن “خمسة دول عربية كانت ضحية هذا الوهم، حيث تحولت بلدانهم الى محارق جماعية و سكانهم إلى مشردين أو لاجئين و أطفالهم شوهت براءتهم فأصبحوا يعيشون تحت ضغوط نفسية أو تحت رحمة تجار البشر أو دعاة القتال في بؤر التوتر، فافرز هدا الدمار جيلا كاملا من الأطفال والشباب كله عنف و تشوهات نفسية وجيلا آخر من الكهولة تم إجهاض أحلامه”.
وختم الغرفاوي حديثه بالقول “إنه إذا كان من يعتبر استمرار احتجاجات الريف تراجعا للمغرب على المكتسبات الديمقراطية التي حققها في السنوات الماضية وبداية لـ”ربيع مغربي جديد” فهو في واقع الأمر واهم وخارج سياق التاريخ، ذلك بأنه من لايزال يؤمن ب”الربيع العربي” بعد سبعة سنوات من اختلاقه و ما خلفه من مآسي و ما صاحبه من ترسيخ لقناعة ان لا تقاطع لطريق الإصلاح مع طريق الفتنة و إسقاط هيبة الدولة، يمكن نعته بالساذج أو صاحب النية المبيتة الذي يربط بسهولة بين أي حركة احتجاجية كيف ما كانت طبيعتها وبين هوسه في الإجهاز على الاستثناء المغربي متمنيا “إلحاق المغرب بنادي دول الدمار و الخراب” ليحق عليه قول الله تعالى “تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”.