محمد واموسي
تسبب خبر كاذب يزعم دخول أفراد من الجيش الجزائري لواحة مغربية قريبة من مدينة فجيج و إمهال مزارعيها و سكانها بضعة أيام لإخلائها أو مواجهة الاعتقال في بلبلة كبيرة في مواقع التواصل المغربية، و امتد الأمر حتى لبعض المواقع الإخبارية،و دفع بعض سكان مدينة فجيج للخروج في مظاهرة سلمية للمطالبة بحمايتهم و ضمان حقوقهم .
و الواقع أن كل ما كتب عن مدينة فجيج و منطقة العرجة المحاذية للحدود المغربية الجزائرية و مزاعم مخاطبة جنرال جزائري على رأس فرقة عسكرية لسكان المنطقة بالاستعداد لإخلائها و تنسيق الجيشين المغربي و الجزائري حول الأمر لا أساس له من الصحة إطلاقا،فالمنطقة هادئة و لم يقع فيها أي توغل أو تسلل أو تجاوز للحدود لا من جهة المغرب و لا من جهة الجزائر
و لأن رب ضارة نافعة،فقد كان من حسنات هذه الإشاعة الكاذبة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم أن تذكر المغاربة مدينة جميلة تاريخية عزيزة على قلوبنا جميعا هي مدينة فجيج،التي لا يعرف عنها جلنا أكثر من كونها مدينة مغربية شرق البلاد على الحدود مع الجزائر ، و أكثر من تسعين في المائة من المغاربة لم يزوروها أبدًا، و عدد كبير منهم لا يعرف حتى موقعها في الخريطة.
فجيج أو “فكيك” وفق النطق باللهجة المغربية،يعكس اسمها خصائصها الطبيعية و الجغرافية،فالإسم مستلهم من الفجاج والأفاجيج والإنفراجات التي تخترق الواحة من كل الجهات، و هي من المناطق الواحية المغربية التي عرفت الإستقرار منذ ما قبل فترة الميلاد.
تبعد فجيج عن مدينة فاس ب640 كلم و عن وجدة 360 كلم، يحدها جنوبا و شرقا الحدود المغربية الجزائرية،كانت مساحتها خلال فترة الإستعمار الفرنسي تعادل مساحة لبنان،فاقتطعت فرنسا سبعين في المائة من أراضيها و ضمتها إلى الجزائر حين كانت الأخيرة بالنسبة لها مقاطعة فرنسية،و حين كان الفرنسيون يعتقدون أنهم سيحتفظون بالجزائر للأبد كجزء من فرنسا
في الفترة ما بين 1944 و 1945 (عام البون) تعرض المغرب لموجة جفاف قاسية تزامنت مع استنزاف الإستعمارين الفرنسي و الإسباني لكل خيراته، و فرض الإستعمار الفرنسي شروطا مجحفة في توزيع و شراء المواد الغذائية الأساسية،حيث كان الفرنسيون ينقلون كل ما ينتج في المغرب إلى بلادهم لتغذية الخصاص الحاصل عندهم بسبب الحرب،فغرقت جميع المدن المغربية في مجاعة قاتلة إلا مدينة واحدة هي فجيج.
بقيت فجيج المدينة الوحيدة التي لم تستسلم للمجاعة لأن سكانها كانوا يخزنون بكثافة التمور و الخضر و الفواكه و الحبوب عن أعين المستعمر الفرنسي و جواسيسه و يرسلونها خلسة إلى سكان باقي المدن المغربية لإطعامهم،إلى أن أصبحت المعيل الرئيسي لجل المدن المغربية الغارقة في الجوع آنذاك،و من هناك خرجت تلك المقولة التي يستخدمها جل المغاربة إلى يومنا هذا (فوق فكيك ) للتعبير عن الخير و الوضع المريح.
فجيج خاضت حروبا طاحنة ضد الاستعمار الفرنسي،و لأهلها علاقة وطيدة بأهل فاس، و في فترة ما كان عدد الأدارسة فيها يتجاوز عدد ما يوجد منهم في فاس، فهي موطنهم الأصلي قبل العاصمة العلمية.
فجيك فيها واحد من أرقى و أجود أنواع التمور في المغرب يطلق عليها اسم “العزيزة” و واحاتها تعرف ب”منطقة ال100 ألف نخلة”، حباها الله بكميات مياه جوفية طبيعية وفيرة قادمة من جبال الأطلس الكبير تقطع مسافة طويلة إليها، بل و تصل حتى التراب الجزائري و تظهر على شكل عيون تنبع من كل مكان ، و حين عرضت السلطات على سكان المدينة إجراءات لوقف انسياب المياه نحو الجوار الجزائري، رفض جميع سكان المنطقة ذلك و قالوا لها نحن نرفض أن نوقف الماء عن إخوتنا، فأغلب القبائل في المنطقة تعيش منقسمة، يعيش جزء منها في المغرب و الثاني في الجزائر ،خاصة قبيلة “ذوي منيع” و هي في الأصل إحدى قبائل بني هلال العربية.
في جوف مدينة فجيج حمامات طبيعية تبلغ سخونة مياهها 100 درجة،و مياه أخرى دافئة و باردة تتدفق من عدة عيون، جلها غير مستغل صناعيا، تماما كما الكثير من الينابيع المائية الطبيعية في المغرب، مثل أقشور في الشمال و غيرها
فجيج أعطت المغرب كثير من الأعلام الفكرية و الثقافية العملاقة بينهم المفكر المغربي الكبير الراحل محمد عابد الجابري، و فيها ولد محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم والملقب بالشيخ بوعمامة قائد إحدى أكبر الثورات الشعبية في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي، والتي شارك فيها المغاربة دعما لأشقائهم في معركة التحرير.
فجيج كان فيها واحد من أكبر مصانع البارود خلال القرن 15 و استمر العمل فيه لخمسة قرون، و أهل فجيج كانوا أكثر منطقة مغربية تضررت من التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجزائر خلال فترة الاستعمار،فوادي الناموس الذي أجريت فيه بعض من هذه التجارب لا يبعد عنهم إلا بأربعين كلم.
فجيج كانت دوما تتصدر مناطق و مدن المغرب في عدد المتمدرسين، و نسبة الأمية فيها تكاد تصل الصفر،فقط 3 في المائة لدى كبار السن، عدد المتسولين فيها منعدم و سكانها يعشقون الجد و الاجتهاد و النشاط و هم أهل عز و شهامة و كرامة، و مدينتهم كانت دائما مدينة أمن و أمان و راحة البال.
فجيج هي المدينة الوحيدة في المغرب التي لن تعبرها و أنت في طريقك نحو مدينة أخرى بسبب طبيعة موقعها الجغرافي، فلا تترددوا أيها المغاربة في زيارتها و الاستمتاع بواحاتها الخلابة و عيونها المائية الطبيعية و تمورها و كرم أهلها كلما سمحت لكم الفرصة.
إعلامي مغربي مقيم في باريس