تقف جمعة العلوة في صف وعلى ظهرها أدوات منزلية تزن أكثر من 50 كيلوغراما في انتظار عبور الحدود من جيب مليلية، الخاضع لإسبانيا، إلى المغرب.
إنها أم لثمانية أبناء، وتبلغ من العمر 41 عاما وهي واحدة من آلاف المغاربة الذين يجنون قوت يومهم عبر نقل حمولات من السلع من مليلية إلى إقليم الناضور في شمال المغرب.
تعدّ السلع، مثل الأباريق المعدنية التي كانت تحملها، أمتعة شخصية ولا تخضع للضرائب، ما يسمح ببيعها بهامش ربح بسيط حين تنقل إلى أجزاء مختلفة من المملكة. وقالت جمعة “في المتوسط، أكسب نحو 70 درهما (7.40 دولارات) في الرحلة وأحمل ما بين 40 و70 كيلوغراما… لكنْ في معظم الأيام لا نعرف كم سنجني”. لكن عملها هذا يقصم ظهر من يزاولونها، كما أنه محفوف بالمخاطر، إذ لقي بعض التجار مصرعهم في حوادث تدافُع في المعبر الحدودي الضيق.
وتابعت جمعة “نصلي في الصباح ونستعد ليومنا، ولا نعرف إن كنا سنخرج أمواتا أم أحياء”.
ترفع ملابسها لتُظهر كدمات في ساقها أصابتها بعد أن ضربها أحد أفراد الحرس المدني الإسباني بهراوة. وقالت إنها تعرضت للضرب لمحاولتها التحرك إلى مقدمة الصف. ولم يتسنّ الوصول إلى الحرس المدني في مليلية للتعليق.
حين تمر جمعة من المعبر الحدودي، تشق طريقها وسط الزحام لتُفرغ حمولتها في سوق “بني أنصار”، المزدحم ثم تعود مسرعة إلى مخزن في مليلية لتأخذ الحمولة التي تنقلها في آخر رحلات اليوم.
ويُسمح لسكان إقليم الناضور بالعبور إلى مليلية بدون تأشيرات، لكنْ لا يمكنهم أن يقضوا أكثر من يوم في هذا الإقليم الخاضع لإسبانيا. وبوسعهم العبور لخمس ساعات أربعة أيام في الأسبوع. وتقول شرطة الحدود الإسبانية إنه تتم، في المجمل، ما بين 30 و40 عملية عبور يوميا.
وتجري هذه الممارسة منذ عشرات السنين. وهيمنت عليها في البداية أمهات عازبات كافحن لكسب الرزق في أي مكان خارج الناضور. لكن مع زيادة البطالة الشديدة وجدت النساء أنهنّ يخضن منافسة شرسة مع الشبان.
في كل صباح تذهب النساء إلى رئيسهن الذي يدير هذا العمل ويكلفهن بنقل كمية محددة من السلع وينسّق مع أصحاب المخازن والمسؤولين عن الشحن. وبحلول الخامسة صباحا، يتحول الحشد الذي يقدر بالمئات إلى آلاف، بينما ينتظر الناس أن يفتح الحرس الإسباني المعبر الحدودي. ويتشاجر التجار من الرجال وتصيح النساء ويصرخن، إذ يتصارعون على الفوز في مكان وسط الزحام. ويتمكن معظمهم من العبور مرتين أو ثلاثا، قبل أن تغلق الحدود مجددا.
وتشمل البضائع كل شيء، من السلع المنزلية البسيطة، كالمناشف والمناديل الورقية والصابون، إلى البضائع غير المشروعة، كالخمور والأكياس البلاستيكية التي حظرها المغرب منذ العام الماضي.
تعيش جمعة على مسافة نحو 27 كيلومترا من الحدود وتستيقظ في الثانية صباحا استعداد للقيام بالرحلة، فتبدأ بالسير على الأقدام، ثم تستقل سيارة أجرة أو حافلة.. مرض زوجها محمد زوباح (57 عاما) قبل ست سنوات، ما اضطرها لأن تصبح عائل الأسرة الرئيسي. وقال زوجها “إنها قوية وتحمي هذه الأسرة، اللهم امنحها الصبر”.