طنجة-أسامة العوامي
قد تساق بعد أشهر من الاعتقال والتعذيب الجسدي وأنت مكبل اليدين ومعصوم العين إلى مكتب الجلاد، لا تستشعر سوى رائحة الكحول والسجائر الممزوجة بطغيان رائحة الجلد ما يرسم صورة عن الماثل أمامه، ولأول مرة وبنوع من التعاطف ينطق بحسرة واستياء ” الروخو .. والدتك ووالدك واخوك عبد الله ومليكة في ذمة الله” .. مستكملا اليوسفي قدور ” كان ذلك نتيجة انفجار لقنينة غاز دمرت منزلكم وكل أفراد العائلة”
في تلك اللحظات والتي سبقتها مراحل متعددة من التعذيب أصبح كل شيء ممكن .. مرت أيام أو أسابيع أو أشهر .. فلا معنى للوقت أو الشعور في هكذا مواقف … قبل ينادى علي من جديد .. ثقالت مشيتي وضعف بصري ولم أعد أقوى على الوقوف والمشي نتيجة التكبيل المستمر .. لم تكن المحادثة طويلة .. نطق اليوسفي قدور ” عائلتك أحياء كلهم ولم يحصل أي انفجار .. انها كذبة أبريل !!”
هذه واحدة من القصص التي كشفها محمد السريفي أحد أقطاب منظمة ” إلى الأمام” أحداث لم يكتب لها التوضيح من زاوية مغايرة .. قصة تروي 18 سنة من الاعتقال والتعذيب داخل معتقلات وسجون المغرب بأسلوب بعيد عن نقل القارئ إلى المعاناة، بل يعلق بشكل أكبر على آمال الناجين، متخلصا من عقدة ” الضحية ” المألوفة في أدب السجون، متموقعا في جهة الانتصار لمواقفه وقناعاته بكل مسؤولية ووطنية.
” السماء المربعة” تجربة انسانية غنية وثقها المناضل محمد السريفي فيلار المولود سنة 1952 من أم إسبانية فرت من قمع فرانكو رفقة أبناءها، وأب مغربي صياد كان مقاوم للاستعمار الفرنسي والإسباني.
قذفته عوالم السياسية إلى النشاط الطلابي داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومنه التحق بالحركة الشيوعية اليسارية والتي ناضلت وفق المرجعية الماركسية اللينينية،
ناشطا بجناحها السري لأزيد من سنتين قبل أن تختطفه الشرطة السياسية سنة 1974 حيث قضى سنتين من التعذيب قبل أن يواجه محاكمة صورية قضت بسجنه 30 سنة، ليصبح الرفيق الدائم لأبراهام السرفاتي داخل السجن المركزي للقنيطرة.
رحلة حياتية مليئة بالتفاصيل وملهمة، وثيقة تاريخية تكشف أسماء الجلادين والمسؤولين الذي كانوا سببا في تعاسة المغرب والمغاربة، وكل من ساهم في تقتيل الأمل والتغيير الديمقراطي.
من خلال السماء المربعة يثير المؤلف إشكالات تلامس حاضر اليوم، تسائل واقع الديمقراطية ومفهوم الحرية كشرط مسبق لتغيير الإنسان والواقع، وهي مناسبة لتقييم ومساءلة تجربة الحكم في الربع القرن الاخيرة