أسامة بلفقير- الرباط
لم يكن الموقف الإسباني المتطور تجاه قضية الصحراء المغربية، ليمر دون أن يثير غضب مفتعل النزاع. فلم تنتظر الجزائر طويلا حتى استدعت سفيرها لدى مدريد من أجل التشاور، ما يؤكد أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في الملف، وليس البوليساريو التي ليست سوى دمية في أيدي الجنرالات.
إسبانيا تعرف جيدا حقيقة هذا النزاع..وتعلم، بحجية الوثائق والتاريخ، بأنها عندما دخلت الصحراء لاحتلالها فإن دخلت أرضا تحت السيادة المغربية، لكنها غادرت المنطقة تاركة وراءها ورما خبيثا حولته الجزائر إلى شماعة لمواجهة أزماتها الداخلية.
صحيح أن الموقف الإسباني كان صادما للجزائر، لاسيما وأن الأمر يتعلق بدولة تنشط فيها البوليساريو بشكل كبير في الأوساط الجمعوية بشكل أساسا..لكن الصادم أكثر هو أن موقف مدريد ليس إلا البداية، والقادم لن يخرج عن الاعتراف الكامل بالسيادة المغربية على الصحراء.
قبل فترة من الآن، كانت إسبانيا تتحرك عكس الرياح، بل إنها ذهبت بعيدا عندما انزعجت من اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، وهو الأمر الذي تعامل معه المغرب بصرامة، وكان عليه أن يضع النقط على الحروف لتأتي قضية دخول زعيم الانفصاليين إلى إسبانيا بجواز سفر مزور، ما شكل النقطة التي أفاضت الكأس.
من الواضح أن المغرب الدبلوماسية قد استوعب، عقب سلسة من الأخطاء التي ارتكبتها مدريد في حق الرباط، بالمتغيرات التي يجب أن تعرفها طبيعة بعض الملفات والمواضيع في علاقاته الثنائية، وفق مصالحه التي تفرض نفسها، وهي مسألة تنعكس بالتأكيد على تغيير الأولويات في السياسة الخارجية المغربية بخصوص تراتبية الدول والمصالح المرتبطة بها.
مسألة كان من المفترض أن تستوعبها الجارة الاسبانية والطبقة السياسية والمكونة من مزيج غير متجانس من توجهات سياسية مختلفة وفي بعض الأحيان متعارضة، في تدبير عدد من القضايا والملفات مع المغرب، والتي أسقطت الجارة الإسبانية في أخطاء لا تتماشى ومصالحها الاستراتيجية على المستوى الأمني والاقتصادي وحتى الحضور الإقليمي، بخصوص طبيعة الملفات المشتركة.
اليوم تحاول إسبانيا تصحيح بعض الأخطاء، وتستوعب بأن المغرب لا يمكن أن يكون إلا موحدا ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم المساس بشبر واحد من ترابه..ليس فقط لأن الأمر غير قابل للنقاش، بل أيضا لأن سيادة المغرب ووحدته هي جزء لا يتجزأ من السلم والأمن في المنطقة المتوسطية.