ضجيج “الكركرة” المزركشة لا يمنع الغربان من ترديد صوت النعيق المنذر بشؤم الخبر. ولو كانت الجن تعلم الغيب لعلمت المخابرات الجزائرية بأن ذاك “الكرسي الخشبي” فتح شهية “الأرضة”، ولعلمت أيضا بأن الدوام لله الذي لا يموت وأن البشر له موعد ومستقر.
وإذا كانت فوضى “الكركرة” تستبسط تناقضاتها في شكل المربعات المرقعة، فإن الغربان منحت صوتها لـ”خائنتو حيدر”، نذيرة الشؤم، ولعل شؤم الخبر يتلخص في ندوة التحريض على الحرب، والبقية تنتظر:
تلك “الرّوح” الجزائرية مهددة في أمنها بالفرقة الكركرية، وها هو طابور الحرب يقرع أجراسها! و”خائنتو” حيدر تلعب أدوارها في طعن موطنها؛ أدوار مدفوعة الأجر وفق خطط مكشوفة، مضبوطة التوقيت ومترابطة في ما بينها. فبينموزمبيق وندوة التحريض على الحرب في العاصمة الجزائر، تتراءى تمثلات الحملة المسعورة التي تحاول التشويش على العمل المغربي التنموي، المتضامن مع العمق الإفريقي. إننا فعلا نواجه عماة الدبلوماسية الجزائرية، التي ترفض التحلي بالذكاء السياسي اللازم لتدبير الخلاف والاختلاف، مثلما ترفض الحل العملي وفق مبدأ رابح -رابح.
فماذا بعد؟!
لن نستطيع خلخة هذه المعيقات المرضية إلا بالتمسك بالخطاب الواضح والثقة المستمرة في جدية ومصداقية المبادرات المغربية الساعية إلى تدشين مرحلة مشرقة من الإنماء والبناء المتواصلين لإفريقيا المستقبل. وقد تبدو الموانع المادية كإكراهات ذات أولوية، إلا أن المرء يجد نفسه أحيانا أمام وقائع تتبث أن الموانع التي تبنيها “العقد النفسية والسيكولوجية” تكون في أحيان كثيرة صعبة التجاوز. فلغة السلم والحوار تقابَل بنعيق الحرب والدمار فقط لأن مصطلح المغرب الكبير بات “يصرع” جن المخابرات الجزائرية، الذي سيدهشه نهم حشرة الأرضة بالكرسي الخشبي.
فيا ليت المخابرات الجزائرية تعلم!
أن المغرب منخرط في معركة بناء إفريقيا واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها، وأن خطاب ثورة الملك والشعب يستحق نعت “مخطط إعمار متعدد الأبعاد”؛
ويا ليت “جن” المخابرات الجزائرية يفهم نص الخطاب بالتدبر العميق في الفقرة المفتاح لاستنباط رسالة الملك محمد السادس، حيث قال الملك “ومن يعتقد أننا قمنا بكل ذلك فقط من أجل العودة إلى الاتحاد الإفريقي، فهو لا يعرفني”.
وهنا وجب أن يركز “جن” المخابرات ذكاءه في هذا الانتقال اللغوي من النون الدالة على ضمير المتكلم بصيغة الجمع في “أننا قمنا بكل ذلك”، والتي تؤكد حرص الملك على ترسيخ ثقافة الاعتراف بجماعية العمل المنجز وكذلك افتخار الملك الإستراتيجي بفريق عمله، إلى اعتماد ضمير المتكلم بصيغة المفرد في جملة “فهو لا يعرفني”، الذي يوضح العزيمة القوية لشخص الملك عبر استعمال ضمير المتكلم الواثق من الانتصار للمستقبل. ولعلها أهم الصفات القيادية لتي يتمتع بها الملك محمد السادس، بالإضافة إلى ميزة التفكير العميق والواقعي الذي تحكمه رؤية إستراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق.
وأمام بشاعة الإفلاس القيمي لطابور “اللانظام”، المعاكس لرغبات الشعوب في التعايش الهادئ، نختم بالتذكير بجمالية الغايات المعبر عنها في خطاب محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، حيث يتمظهر مستوى التأصيل الأخلاقي لـ”مشروع إعمار إفريقيا متعدد الأبعاد” من خلال تشبث الملك محمد السادس بنهج القيم الراقية والمقاصد النبيلة.
وهذا ما توضحه بجلاء الفقرة الواردة في نص الخطاب “فما أحوجنا اليوم لاستلهام قيم التضحية والوفاء والعطاء المستمر لمواصلة حمل مشعل هذه الثورة المتجددة، داخليا وقاريا. فبهذه المبادئ والقيم، وبالعمل الجماعي، سنتمكن من رفع التحديات المتداخلة التي تواجهنا لتحقيق التنمية الشاملة، وترسيخ الأمن والاستقرار الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة”.