هل يمكن للمرء أن يكون شاعرا و روائيا في ذات الوقت؟
ان محاولة الجواب تقتضي أن يكون الإنسان على الأقل واحدا من الاثنين : شاعرا أو روائيا. أنا الذي لا يمكنني أن أدعي أيا من الملكتين قد أحدو حدو الناقد الذي لطالما لم يرقني وجوده، لا أحب أن يلعب الآخرون دور الخبراء في أشياء لا يقوون على الشروع فيها حتى.
كنت أتساءل دائما فيما قد يفيد رأي ناقد سينمائي لم يقف يوما أمام الكاميرا، لم يمسكها، لم يقف خلفها حتى، أو رأي ناقد شعري لم يثبت أنه خط بيتا واحدا أو حاول؟
اليوم كمحطات أخرى مررت منها و أخذتني رهبتها، أعيد النظر في العديد من الأسئلة، أما الأجوبة فبالذي أريقت دماءنا من أجلهم، لم أعد أملك منها ولو واحدا.
دعني أصف لك احساسي بالارتباك، إنك تعرف ذلك جيدا، لطالما اختبرته و انت تهم بالدخول للغرفة من أجل فعل شيءٍ ما، لكنك ما إن تدخلها حتى تتلاشى كل الأجوبة التي تعرفها و تتساءل في سرك : ماذا أفعل هنا؟
يمر الأمر سريعا هنا، لكن تخيل أن يكون ثقب الذاكرة هذا لولبيا و لا نهائيا كإعصار، يمتد للفكرة الأولى، يسلب منك كل أجوبتك، و يمتد لأيام أو ربما شهورا و سنوات.
ليست هذه هي الورطة، قد ندرك بعد فوات الأوان أحيانا أن،، الأجوبة ليست ضرورية و لا تحدد قواعد وجودك، انها أجوبة، مجرد أجوبة، أقصد بذلك أنها مجرد كلمات و تموقعات ذاتية إو شخصية، يختبرها الزمن و في الغالب لا تنجوا.
الورطة ان الأمر يشمل أيضا أسئلتك، و أسئلتك هي أنت، أسئلتك لا تختارها بعناية كأجوبتك، أسئلتك هي من تلتقطك ذاخل ثقافتك، ذاخل علاقاتك الاجتماعية، و ذاخل ما يدور في ذهنك.
الأسئلة هي من تأتيك لأنها نابعة من حقيقة ما يدور حولك، من كل هذه الأخطار المحدقة بك، لا يمكن أن تسأل رجلا يشهر مسدسا في وجهك، هل الجو في الخارج مشمس.
دعني أعود للناقد و انسى هذا الهراء، حتى إذا أخذته على محمل الجد لا تنسى انني رجل لا يدري أي سؤال يجب عليه أن يطرحه الآن، بما يعنيه ذلك من فرضيتين لا ثالتة لهما، إما أن ما يتهددني بالغ إلى درجة لا استطيع معها تشكيله في سؤال، أو أنني مجنون.
بالنسبة للناقد فإني مجبر على الإعتذار له عن سنوات التهكم الثلاثين الماضية، ليس لأن سؤالا ما رج رؤيتي المسبقة عنه، لكن أسئلة أخرى أكثر ارتباطا بالبقاء أو النجاة تصر أنك حين تتخذ حكما عن الآخرين فانك تتخذ حكما على نفسك اولا.
إنك ترى الآخر عنيفا لأنك هادئ الآن، ترى الآخر متسخا لأن الظروف أسعفتك في الاستحمام قبل ساعة واحدة، أنت أيضا ترى الآخر مختلا، لأنك عقلك في صحة جيدة الآن.
اذا عدت بذاكرتك إلى الوراء، ستجد أنك في يوم ما كنت عنيفا، كنت مختلا، كنت متسخا، لكن الأمر ليس كذلك الآن.
لا تغتبط إن كان الأمر ليس كذلك الآن ما يدريك كيف سيكون الأمر غدا؟
اذا لم تجد جوابا فكف عن التهكم على الناقد، لأنك حين تتهكم على الآخرين، فأنت تتهكم على نفسك.
بعد كل هذا الجنون لن أكون اقل فضاضة من كل أولئك الذين يعتقدون أنهم يملكون أجوبة محددة صالحة لكل استعمال، حين أحاول ان أجد جوابا : هل يمكن للمرء ان يكون شاعرا و روائيا في الآن ذاته.
لا أعتقد أن الأمر سهل، الشاعر و الروائي معا ينهلون من المأساة، لكن الشاعر من فرط ما يؤلمه ما يشعره يحاول ان يحكي القصة كاملة في كلمة واحدة، هذا الألم الذي يرص أبياته أكبر من أن تتقمصه أي من شخصيات الرواية.
هذا ليس جوابا مقنعا؟
لقد قلت لك منذ البداية أن الأجوبة مجرد كلمات.
لــتــيــم أســامـــة