-السيد ستيف نموذج ناجح لممثل السكان المنبثق من صفوف المواطنين العاديين.
بمناسبة حلولي بمدينة بوسطن الأمريكية لدواع عائلية خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليوز الماضي، بادر السيد عبد الصمد زهير، المستشار القانوني والمسؤول عن التوثيق في “الرابطة الأمريكية للمرأة العربية” في مدينة مولدن، إلى تنظيم لقاء مع ممثل المدينة في كونغرس ولاية مساسوشيت. “الرابطة” -المشكَّلة أساسا من مواطنين من أصول مغربية- تملك علاقات متينة مع صناع القرار المنتخبين في بوسطن ومولدن. وهكذا تم استقبالنا في مدينة بوسطن داخل مبنى ولاية مساسوشيت.
خلال ما يزيد عن الساعة أنصتنا إلى لمحاتٍ من تاريخ الولايات المتحدة على لسان شاب أمريكي من أصول آسيوية. وقفت طويلا أمام لوحة زيتية تمثل الرئيس أبراهام لينكولن، حيث يظهر واقفا يخفي يده اليسرى وراء ظهره. قال الدليل إن ظهور اليدِ على اللوحة كان سيتطلب مصاريف إضافية من الرئيس، فاختار إخفاءها اقتصادا في الإنفاق.. هكذا تقول الحكاية المتوارَثة. وقفت، بعد ذلك، أمام تمثال رائع يخلد دور الممرضات خلال حروب الاستقلال. استطاع النحات أن يعكس بجدارة تقاسيم الوجهين: وجه الممرضة الحانية ووجه الجريح الذي يبدو مستعدا لاستقبال لحظة الرحيل. أخذَنا الدليل، بعد ذلك، إلى قاعة اجتماعات كونغرس الولاية ماساسوشيت، حيث شرح نظام الانتخاب ومساطر مناقشة القوانين ودُعينا إلى التقاط صور تذكارية على المنصة الرسمية.
بعد ذلك، استقبَلنا السيد ستيف ألترينو (Steve Altreno) ممثل مدينة مولدن لمدة سنتين في مجلس الولاية، إذ تبادلنا المعلومات حول مجال اشتغال كل منا. وقد اهتم هو بأنشطة ودور جمعيات المجتمع المدني وبوضعية حقوق الإنسان وبالتوجهات العامة لمغرب اليوم. وحين أخبره مرافقي بسابق عضويتي في هيئة الإنصاف والمصالحة، ركز أسئلته على وجه الخصوص على قضايا تتعلق بعمل الهيئة وظروف اشتغالها ونتائجها. عملت على إفادته -بالمختصر المفيد- بما سمح به الوقت المخصص للقاء. ومن جهتي، سألته عن أولويات اهتماماته بالنسبة إلى بلدته فكان جوابه أنها تنصبُّ على الفئات الفقيرة المهددة في قوت يومها بسبب تصاعد مستوى المعيشة وجمود الأجور. قال إن كون ولاية مساسوشيت توجد فيها أقدم وأعرق مرافق الدولة الأمريكية -مثل جامعة هارفارد- يوجب عليه أن يعمل من جانبه حتى تكون الولايةَ الأولى في ما يتعلق بجودة التعليم والخدمات الصحية وكل ما يهم الحياة اليومية، ويحتم عليه أن يتواصل باستمرار مع ناخبيه من أجل إيصال صوتهم إلى مجلس الولاية.
إلى جانبه جلس شاب بملابس رياضية صيفية عادية وكان منتبها طوال النقاش. علمت، في ما بعد، أنه مكلف بالسهر على جودة التعليم في المدينة. واستطعت، من خلال المعلومات التي استقيتها، أن أطلع على إحدى خصائص النظام التعليمي في المستوى الثانوي بالنسبة إلى المدن الأمريكية. فإذا كانت المؤسسات التعليمية الابتدائية متعددة ومرتبطة بكل حي، فالتعليم الثانوي يتم في ثانوية وحيدة بالنسبة إلى كل مدينة، حيث يحصل كل اليافعين على نفس التعليم في نفس المؤسسة، علما بأن مدير المؤسسة يُنتخب من قبَل الطاقم التربوي للمؤسسة.
السيد ستيف حاصل على دكتوراه التاريخ، وطوال الوقت الذي استغرقه الدليل الشاب في إعطاء نبذة عن تاريخ أمريكا وتاريخ الولاية، كان يمازحه بالقول: “احذر من إعطاء معلومات خاطئة… أنا هنا”، هو نموذج ناجح لممثل السكان المنبثق من صفوف المواطنين العاديين. وهو الآن يمارس صلاحياته ضمن فترة ثانية، نال فيها ثقة ناخبيه من جديد.
قبل أن ننهي الزيارة أخذَنا السيد ستيف إلى حيث مكتب السيد الوالي. استقبلتنا سيدة يبدو من لون بشرتها أنها تنتمي إلى أصول أفرو -أمريكية. كانت السيدة هي المسؤولة عن الاستقبالات. ابتسمت في وجهنا وتقدمت بتوضيحات بخصوص المكتب وصاحبه. وحين كنا بصدد مغادرة المكتب، توجهتْ إلينا بترحيب خاص وابتسامة عريضة وأشارت إلى الجانب الآخر من المكتب كي نتبعها إليه. ثم فتحت بلكونا واسعا يطل على مدينة بوسطن، وهو مكان لا يفتح إلا لـ”المحظوظين” عادة، ومن ضمنهم رؤساء أمريكا حين زيارتهم للبناية، ودعتنا إلى ولوجه وأخذ صور تذكارية وهي ما زالت تحتفظ بابتسامتها العريضة.
عند نهاية اللقاء، دعانا السيد ستيف ألترينو إلى أخذ صور لنا معا داخل مكتبة مقر الولاية وقام بنشرها على موقعه الرسمي، مع تنويه خاص باللقاء.