عبد الله بوصوف
شكلت الشغل الشاغل للعديد من المؤسسات منذ وقت طويل، تطور الامر مع اختراع الألماني “غوتنبيرغ ” لآلـــة الطباعة في سنوات 1400، ثم الراديو و التلفزيون و وصولا الى وقتنا المعاصر و الطفرة الالكترونية و الرقمية و شبكات التواصل الاجتماعي و الاعلام البديل و الذكاء الاصطناعي.
و بالموازاة مع هذا السعي في الحصول على المعلومة و تداولها بسرعة و يسر و حرية، تطور الامر ليصبح حقا من حقوق الانسان و تم دسترتها في اغلب البلدان زيادة في الاطمئنان، في حين دفعت صراعات سياسية و حروب و عمليات أمنية و استقطابات و اختراقات، إلى الرغبة في التحكم في منسوب الاخبار و توجيهها و امتلاك مصادر دعمها و مصادر اخبارها و توجيه الرأي العام في أوقات السلم أو الحرب، و في الركوض أو الانتعاش الاقتصادي ، و في زمن السلم المجتمعي أو الاحتقان الاجتماعي، حتى اصبحنا أمام مشهد يعج بمدارس التكوين و معاهد كبرى في مجال الاعلام و التواصل، بالإضافة الى مؤسسات إعلامية وطنية و دستورية، ووصل الامر الى اعتبارها السلطة الرابعة الى جانب السلطات الكلاسيكية الثلاث ، و وصفها بصاحبة الجلالـة.
كما ان الحديث عن هذا الامر سواء بالخارج او بالمغرب هو ليس بالأمر الجديد لكنه بالتأكيد هو أمر صحي، و أن التفكير في تطويره و تطويعه لخدمة أجندة وطنية خالصــة، هو مشروع استراتيجي وطني ليرتفع الى مصاف المشاريع الوطنية الكبرى المهمة، لأن الراي العام أصبح صناعة ، و لأن تكوين المخيال العام و طرح سلة أفكار امام المجتمع هو صناعة ، و لأن حماية الراي العالم من الاختراقات الخارجية و تجنب إغراقه بالأخبار الزائفة ( الفايك نيوز ) هو أيضا صناعة.
و لا غرابة اذن، باستحضارنا لكتابات الفيلسوف الأمريكي ” نعوم تشومشكي ” حول الاعلام و السياسة و تداعيات حالات التواطؤ أو التوافق بين السياسة و الاعلام و عواقب ذلك على الاقتصاد و التفكير الجماعي و صناعة الخرائط الحزبية و السياسية، كما انه من الضروري و نحن نتتبع خطوات هذا التطور و الدور الرهيب الذي اصبح يحتله الاعلام بكل أجناسه في صناعة الرأي العام أو الجمهور و الاستقرار السياسي و السلم المجتمعي، فلابد من الإشارة إلى الأمريكي و النمساوي الأصل ” ادوارد بيرنيز ” وهو أحد أبــرز عمالقة صناع الراي العام و البروبغاندا والمصنف ضمن المئة 100 شخصية الأكثر تأثيرا في القرن 20، إذ ساهم من خلال ” لجنة كرييل ” الامريكية في صناعة أفكار جعلت الراي العام الأمريكي يقبل دخول أمريكا للحرب العالمية الأولى ثم الثانية كما ساهم في تصدير أفكار أمريكية الى باقي العالم من خلال الاعلام و الأفلام و الاشهار.
اليــــوم، نقف عند حاجة المغرب الى تطوير أدائه بخصوص الترافع الإعلامي و الرقمي بخصوص القضايا الوطنية وفي مقدمتها الصحراء المغربية و صورة المغرب بالخارج امام كم هائل من الوحل الإعلامي و الاخبار الزائفة.
بـــداية ، لا يسعفنا الوقت للتضمر أو البكاء على الحصيلة الحالية من قلة البرامج او عدم انتشارها الواسع سواء بالداخل او بالخارج…او احتلال شبكات و قنوات الاعلام البديل و التواصل الاجتماعي من طرف عاطلين و ” تجار الأدسنس ” عبر بثهم لبرامج تافهة علامتها عي القفز على حائط الاخلاق باسم حرية التعبير و كسر ” الطابوهات ” و هو ما يرفع من عدد المشاهدات و من العائد المادي ، لكن الملاحظ هو انتشار نفس نموذج التفاهة و انحطاط القيم لدى مجتمعات أخرى بافريقيا و آسيــا.
وهو ما يعني ان مجموعات ” تجار الادسنس ” في كل تلك المجتمعات تشتغل وفق معايير تحددها سلفا الجهة التي تؤدي الأجور أو “الأدسنس ” و هي ليس جهة سرية أو مجهولة ، فالجميع يعرف ان منصة اليويتوب و انستغرام و غيرها تدفع أموالا بالعملة الصعبة لكل تجار الادسنس حسب عدد المشاهدات ، وهو ما يعني انه كلما قفز ” تجار الادسنس ” أعلــى فوق حائط الاخلاق و القيم الإنسانية.. زاد عدد المشاهدات و أوراق العملة الصعبة.
في نفس الوقت فقد حدت تلك المنصات الاجتماعية من حرية المدونين و تجار الادسنس بعدم الخوض في مواضيع معينة، و خلقوا بذلك “طابوهات ” جديدة مكان القديمة، وهو ما جعل من صلاحية المدونين و المؤثرين و تجار الادسنس، هي صلاحية محدودة إذ سرعان ما تخونهم الأضواء و تقل المشاهدات و معها العملة الصعبة، و من خلال عمليات التتبع فان العديد من المؤثرين و المدونين لم نعد نسمع عنهم و اصبحوا من الماضي.
وهي مناسبة لنعيد التذكير بمضمون سجال الاعلام الامريكي و الاختلاف حول بث او عدم بث برامج تجعل من حزن الناس و آلآمهم مادة إعلامية او ما يعرف ب ” تلفزيون الواقع ” و الذي تعرض لهجوم عنيف و وصفوا كمن يدوس على جثث الموتى و بمصاصي الدماء، كانت النتيجة هي ابتعاد الكثير من المستشهرين و المنتجين عن دعم برامج ” تلفزيون الواقع “.
وهو ما ترك المجال مفتوحا امام شبكات التواصل الاجتماعي أو الاعلام البديل، و الذي اصبح منصة جديدة لمواضيع ” تلفزيون الواقع ” و هكذا اصبح الحديث عن جرائم الاغتصاب و زنى المحارم و القتل و الاحتقان و معاناة دور العجزة و عرض برامج ذات ايحاأت جنسية و غيرها هي ” الخبز اليومي ” لرواد شبكات التواصل الاجتماعي، و ترفع عدد المشاهدات الى المليونية وترفع أصحابها الى مشاهير و مؤثرين.. لكنهم محكومين بقانون نهاية الصلاحية.
فحالة تصدر جحافل من الجهلة او العاطلين، في مقدمة صناع الراي العام و استغلالهم لفضاءات التواصل الاجتماعي اثارت حفيظة الروائي و الفيلسوف الاييطالي ” امبيرتو إيكو ” بقوله سمة 2015 ” مواقع التواصل الاجتماعي منحت حق التعبير لجحافل من الاغبياء، ما كانوا يتحدثون سابقا الا في الحانات بعد احتساء الكحول من دون الحاق أي ضرر بالمجتمع و كان يتم اسكاتهم فورا ، اما الآن فان لهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل ، انه غزو البلهاء…”.
لذلك، فإن ما تعيشه فضاءات الشبكات الاجتماعية من هجوم عنيف و اختراق للأخلاق و القيم الإنسانية ، و من إغـراق مقصود للعقل الباطن بصور البؤس و الخوف، و أخبار زائفة حول صورة المغرب بالخارج و الصحراء المغربية و مؤسسات سيادية و أمنية.. هو فعلا حربا للبروبغاندا التي لا تعرف الهدنة و ان مواجهتا بمحتويات وطنية و أخلاقية هو انتصار للأخلاق الكونية و للمقدسات الوطنية و يرتفع الى مرتبة الدفاع عن الوطن.
يقول المفكر و الروائي الأمريكي ” جورج اورويل ” صاحب رواية 1984، في هذا الصدد “، و حتى عندما تنتهي الحروب بطريقة صريحة.. توجد بعض المعارك التي لا تعرف الهدنة ليلا و نهارا ، أي حرب البروبغاندا..بالنسبة لمحور الحلفاء فالبروبغاندا هي سلاح و تعلم مواجهتا هو مهم بنفس درجة الاختباء من هجوم جوي..”.
إننا في المغرب ، نواجه ماكينة إعلامية قذرة تعمل بشكل مكشوف و بدون ادنى احترام لمبادئ أخلاقية او سلوكيات إعلامية.. إذ تحاول حقن المخيال الجماعي بصور قبيحة عن المغرب وأن يكون المغرب مرادفا للشرور و الكراهية و الرفض. لذلك فهي تعمل جاهدة على بث صور عن الخوف، نعم الخوف إذ ان الترويج للخوف هو أحد أهــم عناصر صناعة الراي العام و اقوى أسلحة حروب البروبغاندا.
فالخوف من الموت و الخوف من المستقبل و الخوف من الوحدة و الخوف من الفقــر و الحاجة…كلها صور خطيرة تؤثر في العقل الباطن و تتحكم في سلوكياته، لأن الخوف باعتباره حالة نفسية تجعل الفرد غير قادر على المبادرة و غير قادر على التفكير المنطقي السليم و غير قادر على ترتيب أولوياته، بل يجعله واقفا في مكانه و غير مغادر له، و يزداد الامر تعقيدا بالوصول لحالة الخوف الجماعي، لأننا نعتقد أن محاربة الفقر مثلا، تبدأ أولا بمحاربة الخوف من الفقـــر حتى نحرر العقل من الجمود و نساعده على التفكير المنطقي بحلول الخروج من الفقر.
في حين ان كل مظاهر التطور الإنساني ، لم يكن أساسه الخوف ، بل ان الإنسانية تطورت بفضل الأفكار الإيجابية و الطموحة و المبادئ الإنسانية المثالية.
لذلك فإننا ، نعتقد ان البداية يجب ان تنطلق بالــرد الجميل و القوي على صور الخوف التي تستهدف المغرب و مؤسساته و رموزه، و ذلك من خلال سلة اقتراحات تهدف لإنتاج برامج و محتويات موجهة للإعلام البديل و قنوات التواصل الاجتماعي.