حرص العالم السوداني عبد الله الطيّب دوما على زيارة فاس، التي كان يأتيها لزيارة قبر جدّه التيجاني، قبل أن يصبح وجها مألوفا في دروب ومجالس الأدب في العاصمة العلمية للمملكة.
وحين ألقى محاضرة حول التراث الإنساني، بعد دعوة من وزارة الثقافة المغربية، حظيت مداخلته باهتمام كبير من الدارسين والصحافيين، بل تصدرت صورته الصفحات الأولى للجرائد المغربية، خاصة “الاتحاد الاشتراكي” و”العلم”، التي كتبت في صفحتها الأولى “الطيب حدّث أهل فاس بما لا يعرفونه عن فاس”..
في اليوم الموالي، توصّل الطيب بدعوة من الحسن الثاني للالتحاق بالقصر الملكي في المدينة التي كان الملك الراحل يقضي عطلة الربيع آنذاك. وخرجت جرائد اليوم الموالي بعناوين من قبيل “قال الملك ائتوني به!”.. كما خصصت صحيفة “الراكوبة” السودانية ملفا حول الموضوع بعنوان “سودانيون حول العرش” تطرّقت فيه لعلاقة ملوك المغرب بعبد الله الطيب وغيره من المفكرين السودانيين، وقالت إن “الملك المغربي الحسن الثاني رجلا شغوفا وملما بالثقافة العربية وَعاشقاً للعلماء، له مجلس شهري للعلماء سمي “الدروس الحسنية”، يهتم بتثقيف العالِم فيُجلسه على الكرسي بينما يجلس جلالته على الأرض، تعبيرا عن احترامه وتقديره لورثة الأنبياء”.
وأصدر الملك الراحل، بعد لقائه بعبد الله الطيب قرارا يقضي بجعل العالِم السوداني على يمين الملك، وهي تعدّ مكرَمة (من يملك لمن يستحق).. ومنذ ذلك الحين، أصبح البلاط الملكي مفتوحا في وجه كل السودانيين، بعدما دخل العلامة عبد الله الطيّب قلوب المغاربة وقلب ملكهم؛ بل إنه أصبح العالم “رقم واحد” حتى بعد رحيل الحسن الثاني، إذ سار ابنه على نهجه، فصار عبد الله الطيب يحج إلى المغرب كل عام بدعوة من الملكَين العلويين.
وحسب رفاق درب الطيب فقد كان الملك الحسن الثاني يحبه كثيرا ويدعوه دائما إلى المشاركة في الدروس الحسنية. وفي هذا السياق كتب كمال حسن بخيت، صحافي جريدة “القدس العربي”: “ما زلت أذكر أن الملك الرّاحل الحسن الثاني كان يعطيه قدرا متميزا من الاحترام والتقدير، ليس فقط لأنه سوداني، بل لأنه أحد كبار الفقهاء الإسلاميين المستنيرين في هذا العصر.. وكان الملك الحسن الثاني يعرف قدراته الكبيرة وشخصيته المؤثرة وعظمته”. وقال عنه الملك الرّاحل لأحد العلماء السودانيين، بعد انتهاء أحد الدروس الحسنية الرمضانية: “لقد أخذتم، أنتم السودانيين، نصيبكم منه، وجاء دورنا، نحن أهل المغرب، لننهل من هذا المنهل المعرفي الكبير”.
حين علم المثقفون المغاربة برحيل العلامة عبد الله الطيب (ومات في الخرطوم صيف 2003) نعوه برسالة تعزية مؤثرة تليق بمقامه كواحد من كبار العلماء.