كتبت الروائية المغربية د. زهرة عز تدوينة شديدة اللهجة تعلن فيها حدادها على ما وقع في حادثة اغتصاب زينب في حافلة البيضاء، محملة المسؤولية للوزيرة بسيمة الحقاوي؛ إذ كتبت:
سيمة الحقاوي، التي لا تحمل اسمها، جانبت الحق بتدوينتها والصدق، فالحق أيتها الوزيرة بطبيعته بديهي. بمجرد إزالة أنسجة العنكبوت من التجاهل التي تحيط به، يضيء بوضوح، كما قال المهاتما غاندي، إلا أن الوزيرة حاكت المزيد من خيوط التعتيم بتدوينتها الخرقاء.. تدوينة صمّاء بكماء بعبارات طنانة فارغة من أي معنى، تتحدث وكأنها تحمل بيد عصا سيدنا موسى،، سوف تنهمك في حل الأزمة وإيجاد حلول جذرية، إنها سيدتي أزمة جيل بكامله، تآمَر الجميع على تدميره، بدءا من حرمانه من التربية والتعليم.. إنه، سيدتي، جيل مستهتر لا يعرف للاحترام معنى ولا للقيم..
ربما الشيء الوحيد الذي أصبت فيه هو أن الجميع مسؤول عما آلت إليه الحال والأحوال. أما حديثك سعادة الوزيرة عن أن هذا الفعل المشين دخيل على مجتمعنا فهذا جهل منك، ودليل على أنك لا تتابعين عن قرب كل الكوارث الأخلاقية التي أصبحت تعصف بالبلاد والعباد، ربما لم تلاحظي تفكك الأسرة (التي أنت وزيرتها) وتخليها أيضا، كما سائر المؤسسات، عن مسؤولية التربية.
ليس هناك مبرر يبرر الجريمة النكراء، لكن المجرمين الذين تسببوا فيها يتجاوزون هؤلاء المراهقين الضائعين، وفي مقدمتهم السياسيون الذين يسبحون في مجرة أخرى بعيدا عن مشاكل الشعب. فالسياسي شريك في هذه الجريمة المروعة، فشل في تحقيق التنمية المنشودة وصيانة كرامة المواطن ومده بالمناعة المكتسبة عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي كانت تربّي الفرد على القيم النبيلة، مناعة كفيلة بتجنيبه العنف والانحراف، مؤسسات أصبحت هي نفسها تنتج وتعيد إنتاج العنف بقيمه التدميرية، ما زاد من استفحال الوضع وساعد في انهيار قيم المجتمع، من تسامح ومحبة وثقة ورحمة.. إن ما يميّز العنف اليوم هو انتشاره كثقافة انتكاسة، وأعتقد أن المعتدي شخص ينفّس عن ضغط يجثم على صدره، يمنعه من التنفس بحرية والرؤية بوضوح، قد يكون ذلك ناتجا عن إحساس بالعجز واليأس عن مسايرة وتيرة الحياة السريعة ومتطلباتهاالمادية في ظل غلاء يتفاقم ويشعل قلبه نارا تؤججها قلة ذات اليد وسجنه داخل علب سردين من إسمنت يتكدس فيها الكادحون مثل القطط الشاردة..
مشاكل اجتماعية واقتصادية تزيد من إحباط المواطن في مجتمع تنعدم فيه العدالة الإجتماعية ويسود الفساد، مع سوء التسيير والتدبير، خصوصا بعدما أعلنتم فتواكم العجيبة الغريبة “عفا الله عما سلف”، التي حرّرتم بها أعناق الفاسدين المفسدين من المتابعة والمحاسبة وأسلتم بها اللعاب للمزيد من النهب والسرقة.. فانتعشت تجارة المبادىء وحققت أسواق الانتهازية والوصولية والنفعية أرباحا مهولة زادت من ثراء الغني وتفقير الفقير.
إن ما نعيشه اليوم يجعلنا أمام ظاهرة مستحدثة، غير مرتبطة فقط بأفراد منحرفين أو جانحين. لقد أصبح العنف يشكل موجّها قَيميا لسلوكيات المواطنين بشكل كبير. مع الأسف، أصبح قانون الغاب هو السائد، عنف بين السياسيين وخصومهم، عنف في الشارع، في الجامعات، في الملاعب، داخل البيوت، وفي مواقع التواصل الاجتماعية. عنف في الخطاب السياسي، والأُسَري والتربوي والرياضي.. أكيد، فوضى تُكرِّس زمن العبث والحقد بامتياز، بعدما تخلى الجميع عن مسؤولياتهم وواجباتهم، وصار كل واحد يشير بإصبع الاتهام إلى غيره ويحمّله الفشل.
فعن أي وزارة نتحدّث؟ وعن أي أسرة أو تضامن!؟
كان عليك، سيدتي، أن تعتذري لزينب، الشابة “الطفلة” التي انتهك فيه عرضها وأهينت كرامتها في وضح النهار، وأشباه الرجال يقفون على بابها يتفرجون، تفوح منهم رائحة كريهة لأدران الفحولة المتخيلة والذكورة الفجة والتخلف.
تبا لحكومة الصمت والمهانة،
تبا لمؤسسات من ورق تتبجح بحقوق الإنسان!
كلن عليك أن تعتذري وأنت تقبلين يدها وأن تقدّمي استقالتك من مهمة أبنت فيها عن عجزك وعدم قدرتك على التسيير وتحمل المسؤولية وإيجاد حلول لمشاكل الطفولة، بدءا من تشغيلهم المهين، إلى تشردهم في الشوارع، وبالآلاف..
كيف نجعل من الاحترام ثقافة مجتمع إذا كان المسؤولون عن تسيير البلاد وتدبيرها يفتقرون إليه؟
كان عليك أن تسمّي الأشياء بأسمائها وتعترفي بأن الأحزاب، وعلى رأسها حزبك “التقي”، مجرد دكاكين سياسية لا تفعل، مع الأسف، إلا بيع الوهم، بدون أي رؤية سياسية واضحة وإستراتيجية محددة لإنقاذ البلاد من الوضع الكارثي الذي تتخبط فيه.
أليس كل راع مسؤولا عن رعيته أيتها الوزيرة المؤمنة؟
لك الله يا وطني الجريح، المشلول، وأنت تجترّ خيبات اغتصابك وضمائر مستترة مغيبة لمسؤوليك..
ربما مأساة عصرنا، أيتها الوزيرة المجانبة للحق، هي كما قال جان كوكتو، أنّ البلاهة تفكّر، وأنا أضيف أنها تقرّر أيضا، لذلك سأضمّ صوتي إلى نداء نيتشه وأطالب بإزعاج البلاهة ومقاومتها..