24 ساعة ـ متابعة
على غرار كل ربوع الوطن وبحكم الموقع الجغرافي للمملكة, ظلت منطقة الريف بالشمال المغربي محط أطماع أجنبية وأمبريالية. لكن ساكنتها كانت لها بالمرصاد بفضل رجالاتها ومقاوميها من مثال محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي قاد ثورة لا نظير لها في العالم ضد الاستعمار الاسباني جسدت التلاحم بين المغاربة.
ولتسليط الضوء على هذه المقاومة الوطنية, تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك فصولا من تلك المعارك الجهادية وتأثيراتها وهي مستقاة من من كتاب ” محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه الاعلامي ووزير الاتصال الراحل محمد العربي المساري والصادر سنة 2012 عن المركز الثقافي العربي, والذي يجيب عن ” بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. وكما يقول فانه “في زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع الى صوت الخطابي وهو يدعو الى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء الى مستوى الكل. من الاقليمية الانعزالية الى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع, والذي لا غنى فيه عن أحد” / ص:8/.
الحلقة العشرين: الاعداد لمواجهة الريسوني
وحينما كان يتأمل وهو في بوهاشم في ورطته تلك كانت السياسة الإسبانية قد انقلبت بعد قبول استقالة المقيم بيرنغير للمرة الرابعة، فأتى بورغيطي بالسياسة التقليدية المبنية على الهبات السخية، وتم الاتصال في هذا السياق مع الريسوني. وخرج الريسوني كالعادة من العملية أكثر غنى. وكان أساس الاتفاق هو أن يدخل في الطاعة هو وسائر قبائل جبالة مع الاحتفاظ بحرس شخصي. وانتشرت القوات الإسبانية في مناطقه، في مقابل عطاء هام. لكن الإسبان لم ينتبهوا إلى أن اتفاقهم هذا قد قوى من نفوذ الريسوني على جبالة. (انظر وولمان، ص.ص. 120-121) .
ويضيف وولمان في مكان آخر إنه بعد دخول المجاهدين إلى شفشاون كانت العرقلة الوحيدة أمام الثورة لكي تعم جميع النواحي الغربية هي سياسة الريسوني العنيد (وولمان، ص127 وص.ص. 179-180 ). ولهذا فإن اقتناصه أصبح يمثل ضرورةً استراتيجية. بعد أن حاول المجاهدين عدة مرات، بواسطة وفود خاصة، أن يقنعوه بضم جهوده إلى جهودهم. وذكر فورنو المتقدم الذكر (ص 128) أن الريسوني قطع أذن أحد الرسل جاء ليقدم عرضا من الجاهدين في هذا الصدد، وحلق لحية مرسوم آخر إمعانا في الاستهتار.
وتبعا لعدة مصادر فإن كل ذلك كان كافيا ليستقر الرأي على تصفيته، وقرر جيش الثورة أن يجهز على تزروت. واختار امحمد الخطابي قائد القطاع الغربي، باحتياط شديد العناصر التي تألفت منها المحلة التي وجهها لتأديب الريسوني. ويقول وولمان إن تعدادها كان 1.200 جبلي برئاسة أخريرو، و 600 من الريفيين، من بني ورياغل وتمسمان، وهي أرقام لا تختلف إلا قليلاً عن أرقام أزرقان. وكان هناك حوالي 2.500 من غمارة لحماية المؤخرة.
وتم الهجوم على تزروت يوم 23 كانون الثاني / يناير 1925، وكان سي محاند نسي حميد نج مقدم وهو تمسماني، أول من اقتحم دار الريسوني. ولكن ما أعلن عنه لأعراض سياسية، هو أن المقتحم كان هو اخريرو (الجبلي). ويقول وولمان: “لقد دافع حراس اللص العجوز عن مخدومهم باستماتة لكنهم سرعان ما انضموا إلى المجاهدين حينما رأوا المور تسير في معاكستهم” ( وولمان، ص 180).
وبعد الهزيمة، انضم قائد جبل الحبيب الذي أسر مع الريسوني إلى صفوف المجاهدين.
وكان أثمن ما وجد عند الريسوني هو الذخائر غير المستعملة، ومنها 100.000 موسر إسبانية، وقذائف وغيرها من العتاد الحربي. وقال باشا تركست وكان حاضرا في عين المكان إن ما وجد مع الريسوني من أموال كان يصل إلى 16 مليون بسيطة. وقام المجاهدون بكل نزاهة وعفة بإحصاء التركة، ومما وجد عدة خيول وكتب وجرائد وأكياس مملوءة بالنقود فيها حوالي 31.000 ريال. فقد كان الريسوني يتقاضى هبة شهرية من الإسبان قدرها 80.000 بسيطة.
ومما يروى في هذا الباب ويعتبره وولمان دلالة على كراهية أعيان جبالة للريسوني، أن قائد بني ليث كان قد توصل بتعليمات لينقل رسالة إلى الشريف كانت تتضمن ولا شك تحذيراً أخيراً، وهذا منسجم مع ميل قائد الثورة كما نعرف إلى حقن دماء المسلمين، إلا أن قائد بني ليث ربما راوده فضول دفعة للاطلاع على الرسالة، فلما علم بمحتواها رغب في إلحاق الضرر بالريسوني والانتقام منه، فحجز الرسالة عنده، حتى لا تصل إلى المواجهة إليه، تطلعاً إلى أن يرى الريسوني وقد قضى عليه لا محالة في المعركة الفاصلة التي قدر أنها وشيكة الوقوع.
ويقول فورنو إن الرسالة كانت موجهة من أخريرو. وهو يورد أيضا أن تصرف قائد بني ليث كان يقصد به الانتقام من إهانات الريسوني (فورنو، ص 129 ). وبعد ما تبين للأمير الدور الذي قام به قائد بني ليث قرر معاقبته، وحكم عليه بالإعدام لتسببه في سقوط ضحايا كثيرين كان من الممكن توفيرهم (وولمان، ص.ص. 181 -182).