مصادقة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي على الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد، بمختلف بنودها، خطوة هامة، كان لا بد من قطعها قبل الوصول إلى مصادقة البرلمان الأروربي النهائية على الاتفاقية الجديدة التي تقطع مع اللبس الذي تم استغلاله من طرف خصوم الوحدة الترابية في الاتفاقية السابقة متخذين منه مطية لابتزاز الاتحاد الأوروبي والضغط عليه ليتعامل مع المغرب في ضوء مصالح خصوم وحدته الترابية في محاولة منها خرق وتجاوز علاقات الشراكة المتقدمة بين المغرب والاتحاد . لكن الأمور الْيَوْم أصبحت واضحة تماما وليست موضوع لبس أو استنتاج أو تأويل يحاول الخروج عن نص أو روح الإتفاقية: لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي تعتبر أن الاتفاقية تنطبق على المغرب بمختلف جهاته وأقاليمه الشمالية والجنوبية على حد سواء. وبهذه الطريقة قطعت اللجنة الشك باليقين في هذا الموضوع الذي كان ممكنا أن لا يكون، في الأصل، موضع خلاف بين المغرب وشركائه الأوروبيين لو تم التشبث بنص وبروح الاتفاقيات المبرمة مع المغرب. وتعتبر الأغلبية الساحقة التي صادقت بها اللجنة على الاتفاقية الفلاحية الجديدة مؤشرا هاما على تراجع نفوذ اللوبي الجزائري في البرلمان الأوروبي الحريص على إثارة الشكوك عبر وكلاء القيادة الجزائرية في جبهة الانفصال حيث تمت محاولة إشاعة الزعم بأن الاتفاقية لا ينبغي أن تنطبق على الأقاليم المغربية الجنوبية بذريعة واقع استمرار النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
أربعة وأربعون عضوا في اللجنة حسموا بأصواتهم لفائدة اعتماد الإتفاقية مقابل سبعة عشر صوتا أعلنوا اعتراضهم على ذلك. الأمر الذي يمكن تفسيره باعتباره مؤشرا فعليا وقويا على طبيعة التصويت النهائي على مشروع الاتفاقية في شهر يناير المقبل.
قد يحاول البعض التقليل من أهمية هذه الخطوة كما حاول القيام بذلك عندما تمت المصادقة على الاتفاقية إياها اللجنة الفلاحية داخل البرلمان الأوروبي في الثالث عشر من شهر نونبر الجاري، على اعتبار أنها ليست نهاية المطاف في المعركة الدائرة بين مؤيدي الاتفاقية ومعارضيها الذين لم يلقوا بع سلاح محاولاتهم لمناهضة الاتفاقية ، غير أن إنجاز هذه الخطوة أمر ضروري وشرط لولوج الأشواط التالية من هذه المعركة السياسية والاستراتيجية بامتياز. ذلك أن مراكمة النجاح في هذه المعارك، التي تبدو صغيرة أو مؤقتة، هو الذي يحول نتائجها إلى انتصار حقيقي خاصة في هذا المجال الذي أكد فيه المغرب وعلى لسان الملك محمد السادس بوضوح ما بعده وضوح وبصرامة لا تحتاج إلى اكتشاف، على أن المغرب لن يساوم أحدا في أي اتفاقية يمكن إبرامها ويمكن أن تشكل مساسا بهذا الشكل أو ذاك بقضية وحدته الترابية.
ولا يحتاج برلمان الاتحاد الأوروبي أو غيره من المؤسسات الراغبة في عقد اتفاقيات تجارية أو غيرها مع المغرب من يدلها بأن هذا الموقف المغربي الحاسم يفرض عليها التعامل مع البلاد كوحدة متكاملة لا فرق فيها بين جهاتها وأقاليمها وأنه لم يعد هناك أي مجال للمنهجية الانتقائية التي يحاول البعض فرضها على الاتحاد الأوروبي في علاقاته مع المغرب.
وفِي هذا، بالتأكيد، قطع للطريق أمام كل محاولات الابتزاز التي كانت تغري بعض التيارات والتوجهات غير الوازنة في صناعة القرار داخل البرلمان الأوروبي وداخل غيره من المؤسسات المعنية بالعلاقات الثنائية مع المغرب.
وليس هناك شك في أن كسب المعارك المقبلة يعزز موقع المغرب، ليس في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي فحسب، وإنما أيضا، على مستوى علاقاته الثنائية ومتعددة الأطراف التي لا بد لها استحضار هذا التأكيد المبدئي على رفض التعامل مع المغرب انطلاقا من منهجية التمييز الاصطناعي بين شماله وجنوبه أو بين شرقه وغربه.