24ساعة-أسامة بلفقير
الجدل الذي رافق قيام القطاع الحكومي الوصي على الثقافة بانتداب محام لتنبيه شركة “أديداس” إلى الاستعمال غير القانوني لرموز الزليج المغربي في أقصمة المنتخب الجزائري يطرح في عمقه قضايا ملحة وجب الوقوف عندها بكل مسؤولية وتجرد من أجل مساءلة جهود حماية تراثنا الثقافي بعيدا عن البهرجة والضجيج الذي لا يفيد في شيء.
بداية لابد أن نعترف بأن حماية الملكية الفكرية تخضع لقوانين صارمة في عدد كبير من الدول، ومنها المغرب. فمن يستعمل شيئا ليس في ملكيته عليه أن يحصل على ترخيص باستعماله وأن يؤدي مقابل ذلك حقوقا لفائدة المؤلف..ولهذا الغرض لدينا مكتب مغربي لحقوق المؤلف.
تمثل الملكية الفكرية حسب منتدى “ويبو” إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة. والملكية الفكرية محمية قانونا بحقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم. ويرمي نظام الملكية الفكرية، من خلال إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، إلى إتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار.
من هذا المنطلق، يمكن الجزم بأن إقدام شركة “أديداس” على استعمال رموز الزليج المغربي هو سطو على ملكية فكرية..فمن الناحية الأدبية، يتعلق الأمر بإبداع صناع مغاربة من مدينة فاس لهذا الرموز التي تحويلها إلى زليج، ومن الناحية القانونية يتوفر المغرب على وثائق تؤكد تسجيل زليج فاس لدى المؤسسات المختصة في ذلك..
هذا الأمر يجعلنا أمام خرق قانوني واضح من جانب شركة “أديداس”، لاسيما أن الأمر يهم استعمال تجاريا واضحا لهذه الملكية الفكرية، وهو أمر لا يمكن التساهل معه بل يمكن أن يؤدي إلى غرامات ثقيلة في حق الشركة حتى وإن اعتبرنا بأن الأمر لا يسنحق..لكن الواقع القانوني، عبر العالم، يعتبر ذلك خرقا لحقوق المؤلف التي وجب تأديتها كاملة..
لكن ماذا وقع في المغرب؟ في الواقع، تم التعامل مع هذا الملف من منطق فرجوي، أو من باب “البوز” حتى تحول إلى جعجعة بدون طحين..إذ في الوقت الذي كان يجب الاشتغال على هذا الملف، وغيره، بصمت ودون ضجيج، والتوجه إلى المؤسسات الدولية المختصة، سواء قضائيا أو تلك المختصة في مجال الملكية الفكرية، من أجل تعزيز حماية التراث المغربي، وجدنا أنفسنا أمام تصريحات وانتقادات..وحديث الكل في موضوع له خصوصيته.
إن ملفا مثل حماية التراث يستحق أن نشتغل عليه بهدوء تام، كما وقع عندما استرجع المغرب مستحاثة تمساح من السلطات الأمريكية بكل هدوء..فالموضوع في حد ذاته يستلزم العمل المضني والهادئ مثل الذي يقوم به العلماء في التنقيب عن الآثار القديمة تحت الركام.
إن العمل الذي يجب أن نقوم به اليوم، وبكل هدوء، ينبني على مجموعة من التوجهات. أولا، من الضروري أن نقوم بجرد وتوثيق الثروات الثقافية المحلية في إطار رؤية استراتيجية موحدة، على أساس إعداد مونوغرافيا وطنية وجهوية في هذا المجال.
كما يتوجب تعزيز أدوار المكتب المغربي لحقوق المؤلف والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، بهدف صون الذاكرة الثقافية والتراثية الجماعية للمغاربة من السرقة، بما في ذلك نماذج وتصماميم الصناعة التقليدية وفنون الطبخ والمعمار والموسيقى وغيرها)، مع ضرورة تعزيز العلاقة المؤسساتية مع الجهات المختصة دوليا في هذا المجال.
أيضا، من الضروري أن نخلق ترابطا قويا بين العرض السياحي والثقافي والتراثي في بلادنا، تعريفا بهذا التراث لدى السائح الأجنبي فالحفاظ على التراث ليس فقط عملية قانونية أو تقنية، بل تستلزم أيضا مقاربة تواصلية تستهدف تملك هذا التراث بصبغته المغرب..فالكسكس معروف في العالم بأنه مغربي، ليس فقط لأنه مسجل لدى المؤسسات المختصة، بل إن التواصل الشعبي والسياحي رسخه لدى السائح الأجنبي بأنه طبق مغربي..وأضحى اليوم عصيا على السرقة من طرف بعض الذين يحاولون بناء تاريخهم وإرثهم بالسرقة والسطو.