أسامة بلفقير-الرباط
لسنا ندري ما إذا كان البرلمان الأوروبي مؤسسة للدفاع عن مصالح أزيد من 510 ملايين مواطن أوروبي يواجهون أزمات لا تنتهي، حتى إن هناك من بات يتحدث عن دول العالم الثالث داخل بنية الاتحاد..أم أن هذه المؤسسة هي مجرد آلية ضغط تدافع عن مصالح لوبيات المال والأعمال والطاقة كما يجري اليوم بشكل مفضوح.
ربما لن نجد أفضل من المكاشفة التي جاءت على لسان النائب الأوروبي الفرنسي تيري مارياني الذي استفز هذه المسرحية الجماعية، وهو يتساءل عن سبب التغاضي عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان للجزائر طمعا في غازها، بينما يجري الهجوم على المغرب بالرغم من العلاقة الاستراتيجية معه..وبالرغم من استقلالية قضائه الذي له من الكفاءة والضمانات الدستورية والقانونية ما يكفي ليبرئ من يتقاضى أمامه أو يدينه.
ما يجري اليوم داخل البرلمان الأوروبي ليس إلا امتدادا لاختراق بنيته من طرف اللوبيات المتحكمة في كل شيء..تلك اللوبيات التي تتحكم في الطاقة وصفقات الهجرة والفلاحة وغيرها..لكن بدل أن يتم فضح ما يجري في الكواليس، اعتقد البعض أن المغرب هو الحيط القصير الذي يمكن القفز عليه لتغطية غابة من الفضائح.
لكن الذي وقع هو أن السحر انقلب على الساحر..فالمغرب الذي يدافع عن مصالحه بشرعية مواقف وقوة إجماعه الوطني، وليس بالدولار واليوم المغموس في براميل النفط، وقف ندا للند وتصدى بقوة لهذه المناورات التي تستعمل “فزاعات” لم تعد تخيف أحدا، لاسيما إذا كانت قوة مؤسسات المملكة وضمانات ممارسة حرية التعبير في البلاد أقوى من أن تهزها تقارير الدفع المسبق..من البرلمان الأوربي أو أي منظمة تدور في فلكه.
ربما لم يتابع الكثير من هؤلاء النواب الأوروبيين الذين رفعوا أيديهم للتدخل في شؤوننا الداخلية أن لا الحكومة ولا الجهات التي يروجون بأنها تقيد الحريات، باستطاعتها أن تتدخل لدى السلطة القضائية التي تتمتع باستقلالية حقيقية تجعلها تمارس مهامها بتجرد واستقلالية عن أي تأثير، باستثناء قيد القوانين المنظمة للعلاقات داخل المجتمع، وما يصل إليه القضاء من اجتهادات..ولا نريد هنا أن نذكر، من لا يتذكر، بتلك الاجتهادات القضائية الأوروبية التي تلاحق الحريات الدينية للأفراد..
السلطة القضائية في المغرب، بما فيها النيابة العامة، تتوفر اليوم على الضمانات الكاملة، وفق نص الدستور والقوانين التنظيمية التي انبثقت عنه، لتمارس صلاحياتها باستقلالية تامة..وإذا كان هناك من مساع للتأثير فلن نجد غير هذه المناورات الأوروبية التي تسعى إلى ممارسة “الأستاذية” في ملفات هي بكل بساطة محط خلاف بين أفراد داخل المجتمع، وليست حتى محط خلاف بين الدولة والمتابعين فيها.
أيضا، وجب التذكير بأن ممارسة مهنة الصحافة في المغرب ليست بتلك السوداوية التي يحاول البعض أن يرسمها، بدل أن يمارس النقد الذاتي حول ما إذا كان فعلا يضمن حرية التعبير للمواطن الأوروبي خارج قالب موضوع مسبقا..ذلك القالب الذي يسع صدره لانتقاد الآخر والتهجم عليه، بل وحتى بث خطابات التطرف والكراهية، لكنه يضيق حينما يتعلق الأمر بانتقاد هذا النموذج الذي أثبت فشله..
هل تريدون منا أن ننسى كيف كنتم تغلقون حدودكم في وجه الفارين من ويلات حروب كانت لكم يد فيها…هل تريدون منا أن ننسى مشاهد العنف ضد المهاجرين واللاجئين الذين اعتقدوا أنهم على أبواب الفردوس المفقود في أزمة 2015 التي أسقطت مقولة “الفضاء الأوروبي المشترك”..هل تريدون منا أن نتغاضى عن أنكم بنيتم مجدكم على أنقاض أكبر مقبرة في التاريخ للمهاجرين في البحر المتوسط؟..أليست هذه هي الدروس الأجدر تلقينها لأنفسكم قبل أن تعطوا الدروس للآخرين؟..