يبدو أن مظاهر الهشاشة الروحية التي انتشرت في بعض المناطق من الجزائر أو ما يسمى حركة “الكركرة الصوفية” استنفرت مخابرات قصر مرداية. ثم تحرك الطابور الإعلامي، فانتصبت الأقلام مثل الصواريخ تقصف المغرب وتحاول ربط نسب مؤسس هذه الطائفة الكركرية بـ”مؤامرة” يحيك خيوطها المغرب ضد الأمن الروحي للدولة الجزائرية! والأدهي من ذلك محاولة تحريض جمعية علماء المسلمين في الجزائر لمواجهة سيناريو “الغزو الروحي” القادم من الجار الغربي.
ولعل مقال الصحافية كاهينا المرابط، الصادر في موقع “الرأي اليوم”، لمالكه عبد الباري عطوان، أبرز مظاهر “التّكركيرْ” الصحافي والسفه الإعلامي. فقد تاهت الكاهنة في طقوسها التنجيمية وسارت على عقيدة الاستخبارات الجزائرية في تصدير الأزمات الداخلية التي تعيشها الجزائر نحو الجار الغربي. ثم كان التحليل الصحافي ترقيعا بئيسا تماما مثلما هي ملابس “الطائفة الكركرية الجديدة”، التي تتهمها الصحفية الكاهنة بـ”زعزعة عقيدة قصر مرداية بإيعاز من المغرب”!
لذلك تفتقت عبقرية سفهاء “التكركيرْ” الإعلامي على سيناريو إلهاء المخيال الشعبي الجزائري بنظرية “الخطر القادم من الجار الغربي” وتوجيه التهم منعدمة الدلائل إلى المغرب، رغم أن كل من يتمعن قليلا في داء فقدان المناعة الذي تعاني منه الدولة الجزائرية يكتشف أنه مرض داخليّ عضال لا ذنب للمغرب فيه.
ثم صارت على المنوال ذاته الصحافية الكاهنة “زرقاء المخابرات الجزائرية”، بل استرسلت في فك الطلاسم إلى أن سقطت أمام السؤال المحير: لماذا ألوان الفرقة متعددة ومزركشة؟! فهل -يا ترى- ألوان الطائفة الكركرية المنتشرة في مناطق عديدة بالجزائر توحي لارتباط ما بينها و ةبين ألوان قوس قزح شعار “المثلية”؟ وهنا قد ينقلب السحر على الكاهنة لنكتشف أننا ربما أمام ظاهرة اجتماعية وليس مجرد محاولة اختراق أجنبي. وربما وجب التعامل مع الظاهرة بمقاربة حقوقية إصلاحية تضمن للأقليات حقوقها الفردية، وليس التعاطي معها فقط بالسخرية والتهكم وتصدير الأزمات.
ولا بأس أن نحيل الصحافية الكاهنة على مناهج المؤسسات الدينية المغربية، التي تعرف وثبة إصلاحية مكّنت من تجدد منابع الإيمان السليم وتجتهد في إبداع أنماط مجددة ومقاربات فقهية مستمَدة من عراقة الثوابت المؤسسة للدولة المغربية ومن الاجتهاد الموافق لفقه المصالح المسترسلة والتعايش الرحيم المحتضن للتعدد الثقافي.
وحيث أن الشئ بالشئ يذكر، فمن قلة الحياء أن تشير الكاهنة إلى المغرب كمصدر للفكر الضال وترفض أخذ العبرة من مجازر “الفكر القتال” أو “عشرية الموت” التي عاشتها بكل أسف الدولة الجزائرية؛ فهل كانت من إنتاجكم أنتم أم هي مؤامرة مغربية؟!
لذا فتوجيه التهم الجاهزة ونعت المغرب بالأحكام الجائرة لا يعدو أن يشكل دليلا ملموسا على تشبث صناع القرار الجزائري برفض “يد البناء المبسوطة والممدودة” لخدمة القضايا الحقيقية للشعبين الشقيقين، لأن كل لبيب عاقل يستطيع الجهر بحقيقة أن أعطاب “حكامة الريع” في حاجة إلى قوة المعرفة والحكامة الراشدة.
ولعل “مشروع محمد السادس”، الذي أعلنه الملك في خطاب ثورة الملك والشعب يوضح بجلاء نوع البرامج والمخططات التنموية التي ينخرط المغرب في اقتراحها ودعمها والترويج لها بكل فخر واعتزاز. أما هلوسات الكاهنة فكانت وستظلّ مجرد مقالة صحافية مشبوهة تدخل ضمن المخطط المتقادم، الذي سارت على نهجه العديدُ من أبواق الدعاية الفاشلة لعقيدة الخارجية الجزائرية، المؤسسة على العداء المطلق للدولة المغربية.