شيء جميل ومدهش حقا أن تتوصل عبر بريدك الإلكتروني ــ وأنت المواطن الفقير إلى ربك أو ” الكَحْيَانُ “، بتعبير الأشقاء المصريين أنفسهم، ولست : لا سياسيا، ولا دبلوماسيا مرموقا، ولا حتى شخصية عامة معروفة، بل مجرد ” كاتب ” بسيط أو مصاب بفيروس الإبداع أو الثقافة ــ بدعوة على بريدك الشخصي من سفير دولة مصر العظمى ( أم الدنيا بالفعل ) بالمملكة المغربية ” السعيدة ” لحضور احتفالية فنية كبرى تحت شعار : ” معاً نعمر جسور التواصل ” بمسرح محمد الخامس بالرباط. المسألة ــ هنا ــ قد تبدو عادية وبسيطة في الظاهر. لكن دلالة هذه الالتفاتة الجميلة نحو الكتّاب والمثقفين والمبدعين المغاربة من طرف سفارة دولة أخرى، غيْر المغرب طبعا، وإن كانت تترك في النفس الكثير من الفرح والشعور بالاعتراف، فإنها ترسخ في النفس كذلك الكثير من الغصة والشعور بالضيم تجاه سفاراتنا ووزاراتنا، وخصوصا وزارة ” الثقافة ” المغربية التي لا تتوقف عن تنظيم الكثير من المناسبات والتظاهرات ” الثقافية ” وغير الثقافية، ولا تكلف نفسها حتى العمل على تجميع العناوين الإلكترونية والمعطيات الخاصة بكتّاب المغرب وشعرائه وفنانيه ومبدعيه، فبالأحرى أن تدعوهم لحضور مثل هذه المناسبات.
شيء يحز في النفس طبعا، ويجعلك أحيانا تعيد النظر حتى في مسألة ” الانتساب ” إلى هذا التراب الذي لا يقيم وزنا لكتّابه وفنانيه ومبدعيه ولثرواته الرمزية. ففي الوقت الذي تفاجئك فيه ــ من حين لآخر ــ دعوات العديد من الجهات من خارج المغرب للحضور والمشاركة في أنشطة ثقافية وفكرية وفنية وازنة، تكتشف بأن ” وزارة الثقافة ” المغربية وأٌقرب ” مندوبيها ” أو ” مديريها ” إليك جغرافيا لا يتوفرون حتى على بريدك الإلكتروني أو أبسط معطياتك الخاصة للتفاعل والتواصل.
وإذ أدرج هنا صورة حرفية وحية وحية للرسالة أو الدعوة الكريمة للسيد سفير جمهورية مصر العزيزة ( الدكتور أحمد إيهاب جمال الدين )، لمجموعة من الكتّاب والمبدعين والفنانين والمثقفين المغاربة، فليس من باب التبجح أو استعراض ” قيمة ” شخصية واهية، بل من باب تنبيه سفرائنا ووزارائنا في الثقافة وغيرها إلى قيمة هذا الفعل الجميل والنبيل، الذي ما فتئت تقوم بعض السفارات والهيئات والمراكز الثقافية الأجنبية ببلادنا تجاه المثقفين والمبدعين من غير بني جلدتهم.
إذ يمكن أيضا أن أرى وأن أقرأ في نص دعوة السيد سفير جمهورية مصر العزيزة أسماء العديد من الفعاليات الثقافية والفنية المغربية، والعديد من الأصدقاء الكتّاب والمبدعين المغاربة، البسطاء مثل ” العبد الفقير إلى ربه “. هم الذين ــ حسب علمي المتواضع ــ لا تربطهم بالسفير المصري صلة قرابة أو صداقة أو مصاهرة. من قبيل : حسن بحراوي، سعيد منستب، سعيد عاهد، أنور المرتجي، حسن مخافي، عبد النبي دشين، كمال أخلاقي، إبراهيم الخطيب، سالم يفوت، عبد اللطيف الوراري، محمد بودويك، أحمد بوزفور، أحمد شراك … واللائحة طويلة على سبيل المثال لا الحصر. وإذ نقدم وافر شكرنا وتقديرنا لسفير مصر ببلادنا لدعوته والتافتته الكريمة، نقول فقط لأنفسنا نحن الغرباء في أوطاننا، ومعشر الكائنات التي ما زالت متمسكة بـ ” وهم جميل ” اسمه ” الثقافة والإبداع ” فيما يشبه العزاء، بنفس حرقة وعبارة أبي حيان التوحيدي في ” رسالة الغربة ” : ” أين أنت عن قريب قد طالت غربته في وطنه ؟ وقل حظه ونصيبه من حبيبه وسكنه ؟ وأين أنت عن غريب لا سبيل له إلى الأوطان ؟ ولا طاقة به على الاستيطان ” ؟