سيظل شهر أكتوبر من العام 2017 ،راسخا في التاريخ الحديث للمملكة الاسبانية , لارتباطه بزلزال سياسي مس وحدتها الترابية،تمثل في الاستفتاء غير المشروع لتقرير مصير إقليم كتالونيا، الذي رجحت نتائجه كفة الجبهة الانفصالية،تلاه إعلان البرلمان الكتالوني قيام الجمهورية، متحديا بذلك شرعية و مشروعية الحكم الملكي للإقليم.موقف مدريد من الفعل غير الشرعي لم يتأخر،حيث قام مجلس الشيوخ بتفعيل الفصل 155 من الدستور، الذي يسمح بتعليق الحكم الذاتي،و إدارة الإقليم بشكل مباشر ، إلى حين انتخاب حكومة جديدة للإقليم .
خطوات مدريد لإعادة الشرعية الدستورية نالت ترحاب دول الاتحاد الأوربي، التي وقفت إلى جانب الوحدة الاسبانية منذ إعلان الكتلان عزمهم إجراء الاستفتاء , تعبيرا منها على رفض قيام كيان جديد على تراب المملكة الأسبانية، و هو نفس الموقف الذي عبر عنه المغرب في بيان لوزارة الخارجية،في اتباث صريح لحرص المملكة على سيادة قواعد الشرعية و المشروعية , في مواجهة مساعي الانفصال، و تشبثها بالوحدة الترابية لدول الجوار.موقف الرباط من الأزمة الكتالونية , يمكن اعتباره مساءلة صريحة لسياسات الجارة اسبانيا اتجاه المغرب، و بالخاصة تلك المتعلقة بموقف مدريد من النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء , و الذي أشعل الأسبان فتيله غداة جلائهم عن الأراضي الجنوبية للمغرب.
فمنذ توقيع اتفاقية مدريد عام 1975، التي أنهت التواجد الأسباني بالصحراء المغربية، حافظ الساسة الأسبان على معاداتهم للوحدة الوطنية للمغرب، بدءا بدعم هوس الرئيس الجزائري بومدين في السيطرة على شمال أفريقيا،بإنشاء جبهة البوليساريو الانفصالية على تراب الجارة الشرقية , التي حولت مخيمات تيندوف إلى مركز لتدريب الميلشيات الانفصالية، قبل أن يتحول ذات المكان إلى سجن مغلق لاحتجاز المواطنين المغاربة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية .لم تكتفي مدريد بمباركة انفصاليي البوليساريو , بل قدمت لهم دعما عسكريا و دبلوماسيا كبيرا ،تحول معه ملف الصحراء المغربية إلى ورقة لعب سياسية بين الأحزاب الاسبانية , التي اختلفت على مدى عقود بخصوص تدبير الشأن الداخلي , لكن موقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء لم يحد عن الطرح الانفصالي , بل و أصبح الملف أداة ضغط لتحصيل مكاسب اقتصادية بالمغرب , والسعي إلى تحقيق الحظوة لدى الرباط على حساب شركاء أوروبيين آخرين .
موقف الأحزاب السياسية بأسبانيا وجد له دعما من المؤسسة الملكية، التي واصلت التأكيد على ضرورة العودة إلى خيار تقرير المصير , و هو ما أكده العاهل الأسباني فليبي السادس في خطاب ألقاه أثناء انعقاد القمة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، متناسيا بذلك محددات قيام الدول، المرتكزة على مبدأي الشرعية، المتجسد في مساهمة سكان الأقاليم الجنوبية في كل المحطات السياسية التي مر منها مغرب ما بعد الاستقلال , بما فيها الاستفتاءات الشعبية حول الدستور، و المشروعية القائمة على نظام البيعة التاريخية للعرش المغربي المتجددة منذ قرون، و التي أكدت الوثائق التاريخية و الأحكام الدولية قيامها بين قبائل الجنوب المغربي و العرش.
موقف الرباط الصريح و الداعم لوحدة الأراضي الأسبانية، يشكل تأكيدا على ثبات عقيدة الدولة المغربية، الرافض للكيانات الوهمية، و لتفتيت وحدة و انسجام مكونات الدول الشقيقة و الصديقة، باعتباره مبدءا راسخا،يسمو على لغة المصالح البراغماتية القائمة في حقل العلاقات الدولية .
فهل ستلتقط مدريد رسالة الرباط، و تدعم بالمثل شرعية و مشروعية الحكم المغربي على أقاليمه الجنوبية ؟ أم ستحافظ على جفائها التاريخي لجارتها الجنوبية، و تجعل من الطرح الانفصالي آلية ضغط أزلية لإبقاء اليد على منطقة شمال أفريقيا ؟.