أسامة بلفقير _ الرباط
صور العنف التي وثقتها الكاميرات، خلال عملية اقتحام غير مسبوقة لمدينة مليلية المحتلة، تكشف تطورا خطيرا في استراتيجيات وخطط عصابات الاتجار وتهريب البشر، التي تتحكم في المهاجرين وتحدد طرق وآليات تنفيذ أعمالها الإجرامية.
ما وقع في المنطقة الفاصلة بين مدينة الناظور ومليلية المحتلة يتجاوز أي محاولة -اعتيادية- لمجموعة من المهاجرين غير النظاميين من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى..لقد كنا، في واقع الأمر، أمام اعتداء خطير على النظام العام، حتى إن بعض المهاجرين صرحوا بشكل واضح أنهم جاؤوا ل”يقاتلوا” القوات المغربية.
في المحصلة، ذهب 23 مهاجرا ضحية الأعمال الإجرامية لهذه العصابات، فيما أصيب 140 من أفراد القوات العمومية بجروح متفاوتة الخطورة، منها 5 حالات خطيرة، وهذا وحده يكفي ليؤكد أننا لم نكن أمام عملية عادية أو اعتيادية لاقتحام الثغر المحتل.
عصابات منظمة
الجهات التي تحاول النيل من المغرب، بعد أحداث مليلية، إنما تدافع بشكل مباشر أو مبطن عن عصابات الاتجار وتهريب البشر..فلا يعقل أن نتغاضى عن دور هذه العصابات في سلب كرامة هؤلاء المهاجرين والمخاطرة بأرواحهم ودفعهم ل”القتال” من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى بينما يتم النيل من المغرب، بالرغم من أن الوفيات في حد ذاتها لم تكن بسبب تدخل القوات العمومية بل نتيجة تدافع المهاجرين وسقوطهم بعد تسلق السياج الشائك.
لقد أثبتت أحداث مليلية صوابية استراتيجية المغرب في مجال الهجرة، والتي تقوم على مقاربة إنسانية أساسها الكرامة للمهاجرين ومواجهة عصابات الاتجار في البشر التي تعتبرها الشرطة الدولية “الإنتربول” عبودية العصر الحديث بالنظر إلى ما تولده من استيلاب للكرامة الإنسانية.
خطورة أحداث مليلية وما ترتب عنها من فواجع يؤكد أن الأمر مخطط له بدقة كبيرة..فالمشاركة في عمليات الاقتحام لا يمكن أن تتم بشكل عشوائي، بل بعد عملية انتقاء بناء على رغبة وقدرة المهاجر ومدى استعداده لدفع المقابل المالي، وأيضا تمتعه بقوة جسمانية تجعله قادرا على “القتال” ضد اي محاولة للمنع.
هكذا، فقد أظهرت كل الصور التي وثقت الأسلحة البيضاء المستعملة وجود تخطيط مسبق ودقيق لعملية الاقتحام، وهو أمر تتقنه عصابات الاتجار في البشر بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات الأمنية في مكافحة هذه العصابات، والتي تحقق أرباحا عبر العالم تتجاوز 150 مليار دولار سنويا.
استراتيجية إنسانية
في قضية الهجرة، لا يمكن أن تقدم الدروس للمغرب من أي جهة كانت. فقد اختارت المملكة، انطلاقا من مقاربة إنسانية صرفة، سن سياسة للهجرة تسعى إلى توفير العيش الكريم للمواطن الإفريقي، بدل تركه يواجه مصير الاتجار به من طرف عصابات تهريب البشر، قبل أن يواجه مصيره المحتوم في مقبرة المتوسط أو على أسلاك شائكة تفصل سبتة ومليلية المحتلتين عن الوطن الأم.
لقد تأسست هذه المقاربة على عملية تسوية استثنائية للوضعية القانونية لعشرات الآلاف من المهاجرين، مع فتح الباب أمامهم للاستفادة من عدد من الخدمات الاجتماعية على غرار المواطنين المغاربة، من الصحة والتعليم والتشغيل بل وحتى الولوج إلى السكن الاجتماعي والاقتصادي.
هذه المقاربة النوعية والاستثنائية في تدبير ملف الهجرة، المبنية على رؤية ملكية تنتصر للتضامن الإفريقي، تم تنفيذها بمجهود مغربي صرف، في غياب أي دعم واضح للاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن يكون أول داعم لها. فالمهاجرون الذين تم إدماجهم في المغرب إنما كانت وجهتهم الأولى هي أوروبا، ما كان يستلزم التزاما أوروبيا جادا في إطار المسؤولية المشتركة، بدل ترك المغرب وحيدا في مواجهة ظاهرة جد معقدة.