أبرز المشاركون في الدورة ال12 للمناظرة الدولية للمالية العمومية، اليوم السبت بالرباط، أهمية دور الدولة باعتبارها فاعلا أساسيا في إرساء العدالة الاجتماعية.
وتناول المتدخلون خلال مائدة مستديرة حول موضوع “الدولة باعتبارها فاعلا في مجال العدالة الاجتماعية” دور الدولة من خلال محورين رئيسيين، هما “الميزانية العمومية والعدالة الاجتماعية” و”النظام الجبائي في خدمة العدالة الاجتماعية”.
وفي هذا الصدد، شدد مدير الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية، فوزي لقجع، على أنه “لم يعد من الضروري اعتبار النفقات الاجتماعية نفقات مقاصة، بل ينبغي اعتبارها نفقات استثمار”. وأضاف أن هذه النفقات ستساعد في بناء قدرات الفرد واستقلاليته بحيث يتمكن من المساهمة بنشاط في تنمية بلاده وبما يحفظ كرامته من خلال التشغيل، عوض الاتكال على المساعدة.
وأبرز السيد لقجع أيضا الحاجة إلى “إعادة تشكيل طريقة إنتاج رأس المال البشري وتحريره من اللامساواة من خلال تعزيز قدرات المواطنين حول طموح مشترك” بهدف إرساء نموذج للتنمية البشرية المستدامة قوامه الابتكار والمعرفة والثقافة. واعتبر، في هذا السياق، أن التعليم يجب أن يشكل عماد هذا النموذج التنموي وأن من الواجب إيلاء اهتمام خاص لثلاثة محاور هي المدرسة (من خلال تعزيز العرض وتحسين ظروف التمدرس) والموارد البشرية (عبر تحسين التكوين وظروف العمل) والبيداغوجيا (بناء القدرة على التحليل والبحث، وتعزيز التكوين بالتناوب، والنهوض بالمسالك المهنية واللغات، وإدخال تكنولوجيا المعلومات).
من جهة أخرى، استعرض السيد لقجع السيرورة التاريخية للعلاقة بين الميزانية العمومية ومفهوم العدالة الاجتماعية في المغرب، مذكرا بمختلف البرامج والإصلاحات التي تم اعتمادها، خاصة في مجالات اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺼﺤﺔ وﻣﻜﺎﻓﺤﺔ التفاوتات المجالية واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
من جانبه، لفت عمر الريسوني، مفتش مالي، إلى أن الضرائب تلعب دورا أساسيا في تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبار أنها ترسي جسور العلاقة بين المواطن والدولة، معتبرا أن أسلوب حكامة النظام الضريبي له أثر قوي للغاية على المواطن وعلى مستوى ثقته في السلطات.
وسجل السيد الريسوني وجود ثلاثة مستويات لانتفاء العدالة في النظام الضريبي، يتعلق المستوى الأول بعدم الامتثال للضريبة، والذي يتمثل في أهمية القطاع غير النظامي، والعدد الكبير للمتخلفين عن التصريح والأداء (إرسال 371 ألف و655 رسالة تذكيرية في عام 2017)، والعدد الكبير للمقاولات المعسرة (حوالي الثلثين) وترك ز إيرادات الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل.
أما المستوى الثاني فيتعلق بانعدام العدالة في الترسانة التشريعية التي تتميز بأهمية النفقات الضريبية، وأساس وجدول الضريبة على الدخل التي تركز العبء الضريبي على الدخول المتأتية من العمل ودخول الطبقات الوسطى، حيث يتراوح جدول الضريبة على الدخل ما بين 30 ألف و180 ألف درهم سنويا. ويتعلق المستوى الثالث، حسب السيد الريسوني، باللاعدالة الناجمة عن عمل الإدارة، مستشهدا في هذا الصدد بتقدير الإدارة الذي يفتقد إلى التأطير الكافي واستمرار عدم الاستجابة أو تأخر الاستجابة لشكايات دافعي الضرائب.
من جهتها، أوضحت لور أليس بوفيي، وهي محامية بهيئة المحامين بباريس ودكتورة في القانون، أن للضرائب أهمية محورية في تحول المجتمعات، معتبرة أن القضايا الضريبية، وخاصة علاقتها بالعدالة الاجتماعية، أمر بالغ الأهمية.
وأكدت السيدة بوفيي أن الصلة بين الضرائب والعدالة الاجتماعية تنطوي على رهانين رئيسيين، يهم الأول تعريف العدالة الضريبية، ويثير مسألة المساواة في الضرائب، فيما يتعلق الرهان الثاني بتسخير الضرائب لإعادة توزيع الثروة بشكل أفضل.
ون ظمت هذه المناظرة على مدى يومين حول موضوع “المالية العمومية والعدالة الاجتماعية” بمبادرة من وزارة الاقتصاد والمالية، بشراكة مع جمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية وبدعم من المجلة الفرنسية للمالية العمومية. وناقشت المناظرة ثلاثة محاور رئيسية، وهي “رهانات المالية العمومية من منظور العدالة الاجتماعية”، و”الفاعلون الجدد ولا سيما الجماعات الترابية ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمقاولات” و”مستقبل العدالة الاجتماعية وآراء واستراتيجيات المؤسسات الدولية فيما يتعلق بتعزيز العدالة الاجتماعية والاندماج الاجتماعي للدول”.