الرباط-عماد مجدوبي
بشكل مفاجئ، تحرك ستيفان دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في ملف الصحراء المغربية إلى جنوب إفريقيا، وفق أجندة غامضة أثارت رفضا قاطعا للرباط من إقحام طرف جديد لا علاقة له بالملف، ولا تأثير له على الأطراف المعنية به، اللهم إذا كان دي ميستورا يسعى إلى تسريع مسلسل نهاية وساطته في هذا الملف..كما وقع لسابقيه.
الموقف المغربي من هذا التحرك “غير الدبلوماسي” كان صريحا وصارما. فقد اعتبر ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن “جنوب إفريقيا ليس لها الوزن والتأثير الكافيين لكي تلعب دورا في ملف الصحراء”، مشيرا إلى أن “المغرب سيواصل تنبيه دي ميستورا إلى القواعد والخطوط الرئيسية في مهمته الأممية”.
وتابع وزير الخارجية المغربية بالقول إن “جنوب إفريقيا لا يجب أن تأخذ أكبر من حجمها، وهي لم تستطع تغيير أي شيء منذ 2004 في ملف الصحراء، ووقتها قررت أن تأخذ موقفا سلبيا ضد المغرب”، لافتا إلى أن “الرباط لها 3 عناصر غير خاضعة لا للنقاش، أو التفاوض، وهي وجود أربعة أطراف في نزاع الصحراء، ولا يمكن لأحد أن يمس بها، كما أن الإطار الوحيد هي الموائد المستديرة، بالإضافة إلى أن حل النزاع يكون في إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة المغربية”.
واعتبر بوريطة أنه “طالما هاته النقاط الثلاث لا تمس فالمغرب منخرط في هذا المجال، وإذا حدث العكس فالمملكة ستنبه إلى ذلك، وستتخذ مسؤوليتها”، مشيرا إلى أن “الرباط تؤكد مع جميع المبعوثين على ضرورة استحضار الشفافية، والتشاور والتنسيق، وهي من عوامل تحقيق النجاح، والأسس الرئيسية التي إن أراد أي طرف أن يشتغل مع المغرب عليه أن يستحضرها، وفي حالة غيابها فالرباط لا بد أن تنبه إلى ذلك”.
كما أكد الوزير أن “المغرب أخبر دي ميستورا منذ البداية بهاته الأسس، وسيواصل التعامل معه وفقها”، مشيرا إلى أن “هنالك خطوطا حمراء، وآليات للتعامل، سيكون المغرب منبها إليها كلما لاحظ ابتعادا منها”، مبرزا أن “بريتوريا لا يجب أن تأخذ أكثر من حجمها، فمنذ عشرين سنة فشلت في التأثير في الملف، ومن جهة أخرى في عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي”، لافتا إلى أن “دي ميستورا ولو يذهب حتى إلى المريخ فجنوب إفريقيا لا يمكن أن تؤثر في الملف”.
وأكد أن “الواقع الذي يجب أن نستحضره حاليا هو أن الملف يعرف دعما متواصلا، في ظل استمرار سحب الدول اعترافاتها بالبوليساريو، مقابل تصاعد الاعترافات بسيادة المملكة على أقاليمها”. وعليه، يضيف الوزير، فإن “جنوب إفريقيا فاعل هامشي في ملف الصحراء، والدينامية التي يعرفها الملف متواصلة كما أشرت، في سياق استمرار دول فاعلة في أوروبا وأسيا والمنطقة العربية وإفريقيا في دعم سيادة المملكة”.
إن هذا الموقف الذي عبر عنه المغرب بشكل صريح يجعلنا أمام مجموعة من المحددات والمؤشرات التي تصب كلها في اتجاه دعم الموقف المغربي على صعيد المنظومة الدولية:
المؤشر الأول هو أن عدد الدول التي تدعم الموقف المغربي الشرعي من قضية الصحراء المغربية في تزايد كبير، بل يمكن القول بأن معظم الدول أضحت مقتنعة بأن سيادة المغرب جزء لا يتجزأ من منظومة الاستقرار والأمن في المنطقة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الدفع في اتجاه خلخلة هذا الواقع بسيناريوهات خارج السيادة الكاملة للمغرب على كامل ترابه من طنجة إلى الكويرة.
المؤشر الثاني هو أن دعم المغرب في ملف الصحراء المغربية، سواء بشكل واضح أو ضمني، ينطلق من مشروع الحكم الذاتي كأساس جاد من أجل الوصول إلى حل، وهو توجه يضع كل المناورات والسيناريوهات التي يتم طبخها من طرف الجزائر ومحيطها على الهامش، بينما يبقى المشروع المغربي الحل الوحيد المطروح للنقاش على الصعيد الأممي.
المؤشر الثالث هو أن الوضع في منطقة الساحل والصحراء، وعدم الاستقرار الذي تعرفه عدد من الدول وتورط البوليساريو والجزائر في عدد من الملفات المرتبط بالأمن في المنطقة، تصب كلها في اتجاه إيجاد حل سريع للملف، بدل الاستمرار في إطالة أمد نزاع لن ينتهي، في جميع الأحوال، إلا في إطار السيادة الكاملة للمغرب أكان الحل اليوم أو بعيد حين.
لكن أين دي ميستورا من كل هذه الاعتبارات والمؤشرات؟ عمليا، تبدو خطوة المبعوث الشخصي في التوجه إلى بريتوريا مناقضة تماما للمزاج الدولي، بل يمكن قراءتها في سياق مساعي غير معلنة لوضع العصا في العجلة، وإلا فإن الأمم المتحدة يفترض فيها أن تتحرك نحو الدول الكبرى المؤثرة على الصعيد الدولي من أجل تسريع مسلسل التفاوض والخروج بحل، مادامت هناك قناعة عامة بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، وبأن أي مغامرة خارج هذا الإطار سيتصدى لها المغرب بشكل صارم.