24ساعة-وكالات
بات أفق الحلم الأمريكي الرحب يضيق بالعديد من المهاجرين الذين قطعوا آلاف الكيلومترات، في رحلة مضنية، مع إعلان الرئيس جو بايدن إغلاق الحدود مع المكسيك مؤقتا، في وجه طالبي اللجوء، في حال ارتفاع أعداد الوافدين غير القانونيين.
هذه الخطوة تعد بمثابة طوق نجاة سياسي بالنسبة لبايدن الساعي إلى ولاية رئاسية ثانية. غير أن بعض المراقبين يرون فيها مجازفة من رئيس ديمقراطي طالما نادى حزبه بحرية تنقل الأفراد، وتلقى انتقادات الجمهوريين بشأن تساهل إدارته إزاء التدفقات البشرية القياسية التي تصل إلى الحدود الجنوبية للبلاد منذ توليه الرئاسة في يناير 2020.
وبعد أن تعهد بمحو إرث ترامب في مجال تدبير سياسات الهجرة، لاسيما من خلال إلغائه للقانون 42 – الذي اتخذه ترامب خلال الجائحة لطرد المهاجرين قبل تمكنهم من التقدم بطلب اللجوء-، يواجه بايدن اليوم تحديات جمة، أبرزها تعالي أصوات الولايات الحدودية المنادية بمساعدات فدرالية لتدبير أزمة الهجرة.
أمام هذه التحديات، يسعى الرئيس الديمقراطي جاهدا إلى التصدي لإحدى نقاط ضعف حملته الانتخابية: قضية الهجرة، التي تعد من أبرز انشغالات الناخبين، على بعد أشهر قليلة من الرئاسيات المقررة في نونبر المقبل.
يتطلب تفعيل الإجراءات الجديدة لتقييد اللجوء أن يفوق العدد اليومي لمحاولات المهاجرين غير القانونيين دخول الولايات المتحدة عبر مختلف المنافذ إلى 2500 شخص. وتقضي هذه التدابير بإعادة المهاجرين إلى بلدهم الأصلي، في انتظار انخفاض المتوسط اليومي، ليكون بمقدورهم التقدم بطلب للجوء إلى الولايات المتحدة.
على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، كان متوسط عدد حالات العبور غير القانوني للحدود يبلغ 3700 حالة يوميا، لذلك، فإن هذه الإجراءات قد تدخل حيز التنفيذ بشكل فوري. وتتخلل هذه التدابير استثناءات تشمل الأطفال غير المصحوبين بذويهم، والأشخاص الذين يواجهون تهديدات طبية أو أمنية خطيرة وضحايا الاتجار بالبشر.
لتنفيذ هذه القيود، يستند بايدن على المادة “212 (ف)” من قانون الهجرة والجنسية، الذي يخول له صلاحيات واسعة لتعليق دخول أجانب إلى التراب الأمريكي على أسس الأمن القومي.
مناورة انتخابية ورسائل سياسية
على بعد أيام من انعقاد أول مناظرة سياسية تلفزيونية تجمعه بمنافسه الجمهوري دونالد ترامب (27 يونيو)، يشهر الرئيس بايدن ورقة انتخابية حاسمة، إذ تعد إشكاليات الهجرة ضمن المخاوف المتنامية لدى الرأي العام الأمريكي.
لذلك، فهي تشكل رهانا سياسيا بالنسبة للمرشحين للانتخابات الرئاسية. كما أن هذا القرار يأتي بعد أقل من أسبوعين من تحرك مدروس أقدم عليه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، مهد الطريق أمام بايدن بعد أن أجبر شومر الجمهوريين على عدم التوصل إلى اتفاق بين الحزبين بشأن تدبير الحدود.
وبعد أن ظل تشديد سياسات الهجرة لصيقا بالجمهوريين، حيث جعل منها ترامب أحد ركائز حملته الانتخابية، صرح بايدن بأن قناعته “بوجوب تأمين حدود الولايات المتحدة حفزت اتخاذ “تدابير ترمي إلى منع منح اللجوء للمهاجرين الذي يعبرون حدودنا الجنوبية بصورة غير شرعية”.
“كنت أفضل معالجة هذه القضية من خلال التشريع الحزبي”، هكذا صرح بايدن من البيت الأبيض، معتبرا أن العدد المرتفع للمهاجرين الذين يصلون إلى الحدود يعد “نتيجة مباشرة لفشل الكونغرس في تحديث نظام الهجرة واللجوء الذي أصبح معطلا ببساطة”.
وبرأي المراقبين للشأن السياسي في أمريكا الشمالية، فإن اتخاذ بايدن لهذه الإجراءات، بعد يومين فقط على انتخاب رئيسة جديدة للمكسيك، يبعث برسالة واضحة للجارة الجنوبية، يؤكد من خلالها على ضرورة مواصلة التنسيق بين البلدين للسيطرة على التدفقات البشرية القياسية.
سهام النقد من كل حدب
رغم أن الإجراءات التي اتخذها بايدن تروم تشديد سياسة الهجرة، إلا أن المعسكر الجمهوري لا ينظر بعين الرضى إلى هذا الإجراء -وإن كان يتفق مع توجهه-، إذ لم يفتأ الحزب عن توجيه سهام النقد للإدارة الديمقراطية. فبينما انتقد البعض بايدن لعدم اتخاذه لهذه الخطوة بشكل مبكر، اعتبر آخرون أنها ليست متشددة بما فيه الكفاية.
وفي صفوف الحزب الديمقراطي، لم يسلم بايدن من الانتقادات أيضا، كما أنه يواجه، على الصعيد الحقوقي غضب المدافعين عن الحريات، حيث أعلنت مجموعة المناصرة القانونية في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية نيتها مقاضاة إدارة بايدن بسبب تشديده لشروط الهجرة، مشبهة إياها بالإجراءات التي اتخذها سلفه الجمهوري، دونالد ترامب.
فهل تؤتي المجازفة السياسية لبايدن النتائج المرجوة، أم أنها ستؤجج فتيل خلاف داخل الحزب الديمقراطي، لا سيما في صفوف الفصيل التقدمي؟