بقلم نجيب.الأضادي
شنقيط أو بلد المليون شاعركما يقال، إنها موريتانيا، الجار الجنوبي الذي تربطه بالمغرب علاقات الدم و المصاهرة و الإمتداد القبلي. لذلك لا يمكن للظروف الطارئة أو العابرة أو حتى النيات السيئة أن تضرب هذا الرباط المقدس. قد تكون موريتانيا غاضبة من المغرب لأنه فضل تركيز اهتمامه على دول أفريقية بعيدة عنه بدل المقربون أولى. و هذا صحيح إلى حد ما، لكن المغرب نهج مقاربة عاقلة و استشرافية: إنه يريد لعلاقاته مع موريتانيا أن تكون ، ربما، مبنية على مقاربة ” المقربون أقوى”. لذلك، بعد أن استجمع المغرب قواه و استكمل ترتيبات القوة الاقتصادية و العسكرية و الديبلوماسية في المنطقة الإفريقية و المتوسطية و العربية، فإنه الآن سينزل، بلا شك، بكامل هذا الثقل لدعم الجارة الجنوبية في رفعها لتحدي التنمية البشرية.
و لعل المؤشرات كثيرة في هذا الاتجاه ليس أقلها عودة الدفىء الديبلوماسي بين الطرفين على مستوى السفراء حيث يتم التنسيق على أعلى مستوى لمعالجة القضايا الإستراتيجية للبلدين ، فضلا عن زيارة وزير الخارجية الموريتاني مساء أمس مبعوثا للملك ويحمل رسالة من الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني التقى من خلالها برئيس الحكومة سعد الدين العثماني ،كما تباحثا مع نظيره وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج على جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك وهي مناسبة عبر فيها الطرفان على عمق العلاقات الدبلوماسية والأخوية بين الجارين الشقيقين قيادة وحكومة وشعبا ،كما كان هناك طيلة السنتين الماضيتين زيارة عدد هام من ممثلي المقاولات المغرب بغية استكشاف الامكانيات و الفرص الهائلة للاستثمار في هذا البلد الجار.
فالمغرب ينشد علاقات رابح رابح و لا يفعل ذلك بمنطق الإحسان أو بعقلية الاستقواء أو الاستعلاء أو التحريض على ضرب الجار بالجار حتى يغار. و لعل موريتانيا نفسها تفطنت إلى الألاعيب والفخاخ التي نصبت لها في الطريق. لكن تبين أنه لا يمكن إغراء بلد المليون شاعر بالمال والاقتصاد لوحده، بل هناك أمور أخرى أكثر أهمية لا يعرفها سوى المغاربة…
موريتانيا تقع في قلب المجال الحيوي الاستراتيجي للمملكة، و العكس صحيح. و هذا سبب اكثر من مقنع ليدفع كل من المغرب و موريتانيا الى تشكيل حزام استراتيجي واحد و قوة ردع ضاربة للتصدي لكل المخاطر الأمنية و غيرها من التحرشات التي قد تتسلل إلى المنطقة باسم أوهام انفصالية أو أية طموحات زعاماتية أخرى.
ولتحقيق الأهداف المنتظرة من هذا التعاون الإستراتيجي بين الجارة موريطانيا ستتتوج التحركات الدبلوماسية لا محالة بزيارة رسمية للملك محمد السادس هي الأولى لهذا القطر الشقيق ستأتي بعد إنعقاد اللجنة المشتركة العليا بين البلدين، حيث سترافق هذه الزيارة تقوية التعاون بين البلدين، خاصة في مجال الإستثمار المغربي في الجارة الجنوبية، وتوسيع مجالات الشراكة.
و على ذكر هذه الطموحات الزعاماتية لدى زعماء بعض الدول، فبعضها يريد تحقيقها باغراءات مال البترول كما تبين ذلك من خلال زيارات قام بها عدد من المسؤولين الدبلوماسيين لموريتانيا و استعداده لتقديم مساعدات مالية هامة. لكنها تبقى هدايا مسمومة قد تظهر نواياها مستقبلا، و موريتانيا تعرف ذلك بلا شك، لذلك فهي لن تغامر بالتفريط في التجربة الطويلة و الخبرة المغربية الهائلة في مجالات اقتصادية حيوية كالفلاحة و الصيد البحري و الطاقات المتجددة و الاتصالات و التأمينات و قطاع البناء و اللوجستية و التكوين المهني…فقد تعبأت لهذا الغرض اكثر من 20 مؤسسة اقتصادية مغربية متنوعة ووازنة، نزلت بكل ثقلها في اللقاء الإقتصادي الموريتاني المغربي الذي نظم أيام 16 إلى 18 دجنبر من سنة 2018.
و لأن النجاح الاقتصادي يكون محمولا على الذكاء الديبلوماسي، فإن أي طموح للريادة في القارة الإفريقية، يبقى مشروعا طالما انه يتم بالسلم و ليس بالحرب. و المغرب يحدوه هذا الطموح المشروع، لذلك فقد تبنى عقيدة اقتصادية/ديبلوماسية جديدة لجلب الاستثمارات الأجنبية عبر اغراءات و تحفيزات متنوعة، بعضها قانوني و تشريعي و مالي، و بعضها مرده إلى عامل الاستقرار السياسي و الأمني و الضمانات العليا التي يوفرها المغرب لرؤوس الأموال الأجنبية المنتجة، هذا فضلا عن الكاريزما و الاحترام اللذان يتمتع بهما جلالة الملك محمد السادس. كل هذه العوامل ستساهم في إحداث اختراق على عدة جبهات، كانت بالأمس القريب بعيدة المنال كما هو الحال عند بعض دول شرق و جنوب إفريقيا التي بقيت وفية إلى المحور الانكلوفوني الذي يتشكل من جنوب إفريقيا و زيمبابوي ونيجيريا و أنغولا و حتى مصر ؛ هذه الأخيرة مثلا نظمت منتدى اقتصادي هام، حضر فيه من الجانب المغربي وزير الاقتصاد و المالية السيد بنشعبون المعروف بتجربته وحنكته المالية و نجاحاته داخل مؤسسة بنكية معروفة.
و من شأن ذلك أن يعطي دفعة قوية لمجهودات المغرب من أجل إغراء و جلب رؤوس أموال أفريقية هامة، مستغلا في ذلك الامتياز المغربي في الموقع الجغرافي و الاستقرار و تأمين الخدمات المالية بما في ذلك التحويلات المالية عبر قنوات بنكية آمنة و تتوفر على ضمانات كافية. فرؤوس الأموال كيفما كان نوعها و حجمها و بلدانها، فهي تخشى من الاضطرابات و الحروب و الفتن. و المغرب عكس مصر و تونس و ليبيا و حتى الجزائر، يتوفر على السلم و الأمن و هيبة الدولة و قوة الحضور في الساحة الدولية. يبقى عليه أن يبذل مجهودات ديبلوماسية مضاعفة للتعريف بكل هذه المزايا لدى بعض الدول الإفريقية المترددة أو تلك التي تنطلي عليها حيل الطروحات الانفصالية و غيرها،وهو ما يفسر الاتصالات المكثفة الخارجية المغربية بعدد من الدول الإفريقية حيث أجرى وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة أكثر من 10 اتصالات مع وزراء الخارجية لدول إفريقية كلها كانت تصب في اتجاه تقوية العلاقات الإستراتيجية بين المغرب وعمقه الإفريقي وإذا سار المغرب على هذا النحو، فإن مسألة الاصطفاف إلى جانب المغرب في قضية وحدته الترابية وقضاياه الإستراتيجية ستكون تحصيل حاصل.
باحث في القضايا الجيوسياسية والإستراتيجية