24ساعة – متابعة
من خلال السؤال عن المدرسة التي نريدها لأطفالنا؟ يمكننا أن نتمثل الخلاصة حول ماهية وأبعاد الورش المفتوح من أجل جعل المدرسة أكثر جاذبية وجدوى بالنسبة لمرتاديها. وعليه فمن هذا المنطلق تعتبر الحياة المدرسية ورشا من الأوراش الإصلاحية الأساسية في منظومة التربية والتكوين. لكن قبل الخوض في الموضوع، يمكننا أن نطرح السؤال التالي: ما المقصود أولا بمفهوم الحياة المدرسية؟ كإجابة مقتضبة يمكننا أن نعتبر الحياة المدرسية، كتمثيل مصغر للحياة الاجتماعية، هي الفضاء الزماني والمكاني الذي يحظى فيه المتعلم بفرصة للتنشئة الاجتماعية يحتك فيها مع شتى أنواع المعارف والمهارات، وهي أيضا المجال الذي تتبلور فيه شخصيته انطلاقا من بنائه لعلاقات واكتسابه لقيم عبر تفاعل نشط مبني على الحوار والمشاركة والتسامح والتقاسم.
وبالتالي فإن الهدف الأساسي الذي يجعل الحياة الـمدرسية فضاء يوفر الـمناخ التربوي والاجتماعي الـمناسب للتنشئة الـمتكاملة والـمتوازنة، هو تركيزها على إكساب الـمتعلـمين آليات تحسين التعلمات وإدماجها، وعلى إنماء الكفايات والقيم التي تؤهلهم للاندماج الفاعل في الحياة العملية، وترجمة تلك القيم والكفايات إلى ممارسة ملـموسة في حياتهم. ولعل جسامة المهمة جعلت الرؤية الاستراتيجية 2030-2015 والتي تم تنزيلها عبر القانون الإطار17-51″، من أجل مدرسة الإنصاف، الجودة والارتقاء”، تعطي أهمية بالغة لهذا الموضوع.
الحياة المدرسية: استراتيجية وأهداف
يتطلب الحصول على حياة مدرسية منفتحة إرساء مدرسة منتمية إلى محيطها السوسيو- ثقافي ومتجذرة فيه، قادرة على احتضان واستيعاب كافة الثقافات التي تبناها المجتمع، وعلى غرس قيم العيش المشترك، ومبادئ حقوق الإنسان. كما يتطلب من جانب آخر ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص وإحقاق المواطنة لتحقيق غايات المدرسة المغربية المنشودة.
وترجمة للانشغالات التي طالما عبر عنها الوزير أمزازي بخصوص ضرورة العمل على مواجهة الإحساس بعدم الإنصاف ومحاربة العنف بجميع أشكاله وكذا الأفكار النمطية، بادرت وزارة التربية الوطنية منذ 2018 بإطلاق السلسلة الأولى من التكوينات لفائدة منسقي الحياة المدرسية والتي تندرج في إطار مشروع “دعم الارتقاء بالتسامح والمواطنة في الفضاء المدرسي والوقاية من السلوكات الخطيرة”. APT2C الذي يهدف الى ترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وفضائل السلوك المدني، الذي جاء كثمرة لشراكة مع الرابطة المحمدية لعلماء المغرب وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD).
ويرمي هذا المشروع إلى تكوين حوالي 3000 منسق للحياة المدرسية وتغطية مجموع المؤسسات التعليمية لكي يتم إكساب المتمدرسين قيم الانفتاح والمشاركة الإيجابية، في انسجام تام مع مواد القانون الإطار 17-51، والذي يؤكد على الدور الرئيس لمشروع المؤسسة، باعتباره أداة أساسية من أجل تجسيد السياسات التربوية على أرض الواقع، وآلية لليقظة تمكن من المتابعة المباشرة لأنشطة للحياة المدرسية.
يتعلق الأمر إذن بدعامات أساسية لإصلاح النظام التربوي والارتقاء به باعتباره رافعة للتنمية من أجل تنفيذ التعليمات الملكية التي تضمنها كما دعا إلى ذلك جلالة الملك في خطاب 30 يوليوز بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش: “…يظل إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر”.
وتنصهر مجموعة من البرامج في تقوية الحياة المدرسية، نذكر منها على سبيل المثال برنامج “مدرسة حقوق الإنسان”، كثمرة لشراكة ثلاثية بين وزارة التربية الوطنية والوزارة المكلفة بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان ومنتدى المواطنة. ويهدف هذا البرنامج إلى تعبئة مختلف الفاعلين في الحياة المدرسية من أجل إدماج مبادئ وقيم حقوق الإنسان في المقررات الدراسية. كما يرمي أيضا إلى تقوية قدرات وأدوار المدرسة المغربية في الارتقاء بثقافة حقوق الإنسان عبر صياغة أنشطة ودعامات التحسيس والتربية في هذا المجال.
الأندية التربوية في خدمة الحياة المدرسية
ربط التلميذ بمدرسته وإشراك الأسر وحث الجماعات المحلية على الانخراط في هذا الورش الوطني الهام ووضع القطاع الخاص أمام مسؤولياته في هذا الباب كلها تدابير نص عليها القانون الإطار من أجل رفع تحدي مدرسة المستقبل. ولعل تحقيق تعبئة شاملة وفعالة من هذا القبيل لا يمكن إلا أن تساهم في رفع منسوب الإحساس بالانتماء وتعزيز التماسك الاجتماعي في سياق التعدد اللغوي والثقافي.
وسعيا نحو هذا الهدف تم إحداث 40 ألف ناد تربوي بمختلف المؤسسات التعليمية تنشط في مجالات متعددة مثل المواطنة وحقوق الانسان والثقافة والبيئة والصحة والرياضة… وتسمح بتنمية كفايات المتعلمين وتعزيز قدراتهم على المبادرة والتطوع والتضامن والتعاون وقبول الاختلاف.
ويهدف مشروع الارتقاء بالأندية التربوية داخل المؤسسات التعليمية الى تقوية أدوارها في الحياة المدرسية، وتوسيع رقعة انتشارها على المستوى الجهوي والوطني ووضع آليات تسمح بتنفيذ ومتابعة أنشطتها على مستوى الأكاديميات الجهوية.
مجالس المؤسسة كتمرين في الديمقراطية
ولإذكاء قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وروح العمل الجماعي وسط التلاميذ، كان لزاما إحداث مجالس مؤسسات كآلية تضمن التدبير التشاركي والتشاور والتداول في القضايا التي تهم الحياة المدرسية، كما يتم داخلها صياغة المشاريع البيداغوجية والتربوية.
وبهذا يتمكن التلاميذ من المشاركة النشيطة في الحياة المدرسية عبر إنجاز مشاريع تربوية ضمن مشروع المؤسسة وتتم تقوية حس انتمائهم ليس فقط للمدرسة بل كذلك لمحيطهم الاجتماعي.
التربية الصحية من أجل حياة مدرسية فعالة
يعتبر توفير الظروف الصحية والنفسية الملائمة من بين المحددات الرئيسية لتحسين مردودية المتعلم. واستنادا الى ذلك تم إدراج أنشطة التربية الصحية في الحياة المدرسية لتعزيز التعلمات ولإكساب المتعلمين ثقافة صحية ومهارات حياتية صحية. وقد أكد القانون الإطار 17-51 عبر المشروع العاشر على أهمية الصحة في المجال المدرسي، وعلى ضرورة نشر مبادئ التربية الصحية داخل المدرسة والأسرة والمجتمع وتعزيز السلوكات الوقائية من الآفات والاختلالات التي تأثر سلبا على صحة المتعلمين وعلى نمط حياتهم ومسارهم الدراسي.
وترتكز مجالات التدخل المرتبطة بقطاع الصحة على حملات صحية وعلى الأنشطة التحسيسية الدورية لمحاربة مختلف الأمراض، والتربية على اتباع نمط حياة سليم من خلال النظافة والتغذية المتوازنة وكذا على السلامة والأمن الإنسانيين من خلال تجنيب المؤسسات التعليمية أخطار الحوادث والكوارث الطبيعية والأوبئة.
التربية على البيئة والتنمية المستدامة في صلب الحياة المدرسية
شارك قطاع التربية الوطنية في كل مراحل صياغة الميثاق الوطني من أجل البيئة والتنمية المستدامة، كما يتوفر القطاع اليوم على استراتيجية لمصاحبة عملية تنزيل هذا الميثاق ترتكز على:
تأسيس ثقافة مدنية (أندية، مسابقات، تكوينات، مشاريع…) ؛
إدراج التربية البيئية ضمن الأنشطة التربوية الصفية أو أنشطة الحياة المدرسية؛
تأهيل العنصر البشري من أجل ضمان تدبير مثالي للبيئة.
ومن جهة أخرى، تستفيد الوزارة من شراكة استثنائية مع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة التي ترأسها الأميرة للا حسناء، هذه الشراكة التي تمت ترجمتها عبر عدة برامج من بينها برنامج «الصحفيين الشباب من أجل البيئة” والذي استفاد منه حوالي 23 ألف تلميذ(ة) وكذا برنامج “المدارس الإيكولوجية” والتي يبلغ عددها حاليا 2476.
مراكز التفتح الأدبي والفني، نفس جديد من أجل مدرسة الغد
لا يمكن التعبير عن الذات والتعرف عنها بشكل إيجابي في الحياة المدرسية بدون آلية التنشيط الثقافي والفني كوسيلة مهمة تمنح التلاميذ إمكانية اكتشاف مواهبهم وقدراتهم وتشجعيهم على إبراز إبداعاتهم، فالثقافة والفن وسيلتان للتعبير عن الأحاسيس والأفكار. وتنزيلا لمقتضيات القانون الإطار 17-51 الذي يعتبر مدرسة الغد فضاء للتعبير عن تمثلاتنا العميقة على المستوى الثقافي واللغوي، أحدثت كل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مراكز ومؤسسات للتفتح الفني والأدبي، حيث تم لحد الآن إحداث أزيد من 60 مركزا في أفق الوصول الى مركز لكل إقليم. وتقدم هذه المؤسسات أنشطة متنوعة لروادها، تتراوح بين الأدب والتواصل والخطابة، والمسرح الموسيقى والسينما والفنون التشكيلية.
كما تهدف إلى تنمية القدرات الإبداعية عند التلاميذ والارتقاء بالبعد الفني والثقافي والأدبي والإدماج الاجتماعي لديهم كما تساهم في تشكيل شخصيتهم المنفتحة والمتوازنة.
علاوة على كل هذه المجالات، ترمي أنشطة الحياة المدرسية في إطار إعدادها لمواطني المستقبل الى تنمية المهارات الحياتية باعتبارها قدرات على التكيف والأداء الإيجابي الذي يمكن الفرد من العيش بفاعلية والتعامل مع متطلبات الحياة ومع التحديات التي تواجهه، وهذه الأهداف مجتمعة هي المجال الذي يشتغل عليه برنامج “مهارتي” بشراكة مع اليونيسيف.
وبهذا المفهوم سيكون لكل تطوير أو تجديد أو إصلاح يراد منه الارتقاء بالمدرسة المغربية والرفع من جودتها وجاذبيتها، مدخل لا مناص منه ألا وهو مدخل الحياة المدرسية ورهان تطويرها وتفعيل أنشطتها وتطوير وتجويد آليات اشتغالها.