الكثير من الشعبوية في قضية التبادل الحر مع تركيا، لا من جانب الوزير حفيظ العلمي، ولا من جانب بعض معارضيه الذين لا تحركهم سوى الحسابات الإديولوجية وهُيامهم بالنموذج التركي.
القضية هنا ليست مسألة إيديولوجيات ولا مصالح أشخاص ومجموعات. القضية هنا مسألة اقتصاد المغرب ككل، ومسألة حماية المستهلكين المغاربة كذلك.
المفروض في موضوع بمثل هذه الحساسية ألّا يعطى لتدبير وزير مقرّب من لوبيات اقتصادية وله مصالحه الخاصة التي يدافع عنها. ولا يمكن نسيان كيف تمكن العلمي من بيع “سهام للتأمين” لشركة تأمينات في جنوب إفريقيا بصفقة بلغت 9.62 مليار درهم دون أن تستفيد خزينة المملكة من درهم واحد، في عملية أثارت شكوكًا كبيرة حول تضارب مصالح، واستفادة الوزير من زميله في الحزب محمد بوسعيد لأجل إعفائه من صفقات تفويت الأسهم وحصص المشاركة في الشركات.
المفروض أن يُعهد هذا الملف للجنة استشارية ( مثلا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئة يتوفر على لجنة اقتصادية) تتكون من خبراء اقتصاديين، تقدم توصياتها في هذا الصدد إلى الحكومة لأجل البت في قضية المبادلات التجارية للمملكة، ليس فقط مع تركيا، بل كذلك مع الاتحاد الأوروبي وبقية شركاء المغرب.
ثانيًا:
الكثير من مبرّرات الهجوم على الصادرات التركية غاية في الشعبوية. إذ كنا سنلوم مجموعة “بيم” على تراجع أرباح البقالين البسطاء، فلم لا نلوم كذلك الأسواق الكبرى كمرجان وكارفور وأسيما وأسواق السلام وغيرها؟ وهي الأسواق التي نمت خلال العقدين الأخيرين وأضحت الكثير من الأسر المغربية تشتري مقتنياتها منها؟
ثم هل بمحو متاجر “بيم” سيعود الازدهار للبقال العادي؟ نمط الاستهلاك في العالم ككل تطور، فالزبون عامة لا يفضل أن يمده شخص ما بما يريده من حاجيات يومية. اليوم أنت تحتاج مقارنة أسعار المواد التي ستشتري، وهناك منا من يحتاج أن يراجع مكوناتها، دون نسيان أن نمط الاستهلاك العصري يشجع على التسوق في “السوبر ماركت” لما يضمنه من حرية في الاختيار (وحتى تمضية الوقت). وإذا غابت “بيم” ستأتي مكانها محلات أخرى تعمل بالنمط ذاته، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، وتطور نمط الاستهلاك لا يتوقف بالمزايدات.
الكلام على “بيم” ينطبق على المحلات التركية لبيع الملابس الجاهزة. هذه المحلات مكّنت المستهلك البسيط من الاختيار بين منتجات كثيرة وفق ما يريد وبأسعار في المتناول، بينما جلّ المحلات المغربية لبيع الملابس (بأسعار معقولة) لا تزال تعتمد الطريقة الكلاسيكية في البيع، أيْ أن تطلب من البائع مدك بالسروال كذا، ثم تدخل معه في جدال حول السعر، قبل أن تكتشف لاحقا أنه باعك السروال بضعف ثمنه!
وبالتالي منافسة هذه المحلات وتطوير صناعة الألبسة والنسيج عامة بالمغرب، تقتضي أولًا تحسين طُرق ما يُعرض من ألبسة في المحلات المغربية وتحسين جودتها، وتقديمها بأسعار لا تجعل الطالب الجامعي مثلاً يحتاج لإنفاق نصف منحته لشراء معطف ما. (هناك شركات مغربية تُنتج الألبسة لأوروبا بجودة عالية وأسعار غالية).
القضية فيها مصلحة اقتصاد البلد ومصلحة المستهلك. ومتى تمت مراعاة الجانبين بعيدًا عن المزايدات ووفق مقاربات اقتصادية شفافة، ستكون المحلات التركية كغيرها مجرد اختيارات واسعة للمستهلك الذي من حقه أن يختار الماركة التي يريد، ففي النهاية لسنا في دولة ستالينية تلزم الأفراد بشراء فقط ما تصنعه الدولة (مع كل الفارق بين ما كان الاتحاد السوفياتي يصنعه وما يُصنع حالياً في المغرب).