بعد خطاب عيد العرش، الذي كشف عجز الفعل السياسي عن استشراف الأفق الأقصى لدوره ومهامه الدستورية، توقع الكثيرون أن يذهب خطاب ثورة الملك والشعب في اتجاه يفضي اإى تحديد الدواء على نحو ما يقتضيه تشخيص الداء.
فعلى امتداد أسبوع كامل، تداولت الصالونات ومواقع التواصل الاجتماعي كل ما يمكن تصوره من سيناريوهات جامحة لتجاوز أزمة حراك الريف وهزاتها الارتدادية. واستنادا إلى خلفية خطاب العرش بحمولته النقدية الكاشفة الجارحة، توقع الكثيرون أن يعلن الملك محمد لسادس عن حزمة من الإجراءات التي لا يلجأ إليها إلا من يؤمن بأن “آخر الدواء الكي. غير أن الملك لم يتردد في تأكيد مقولة “كذب المنجمون ولو صدقوا”. فهو لم يعلن عن حل البرلمان ولم يقل شيئا عن ضرورة رحيل العثماني وحكومته الائتلافية ولم يعين إدريس جطو قائدا لكتيبة من التقنوقراط الأكثر قدرة على تدبير شؤون البلاد والعباد.
إن خلو الخطاب الملكي من أية إشارة ولو عابرة إلى أزمة ومخلفات حراك الريف يعدّ امتثالا لما تقتضيه المناسبة كشرط لا يمكن تجاوزه وتخطي حدوده. ففي سياق ذكرى ثورة الملك والشعب، تظل المناسبة مقيدة بكل ما يحيل على “الوحدة”، بعيدا عن مزالق القضايا الخلافية المفتوحة على هوى النفوس الأمارة بالسوء. ورغم أن ذكرى ثورة الملك والشعب تستحضر مفصلا تاريخيا توحدت فيه إرادتا العرش والشعب، فإن الملك آثر أن يكون خطابه استشرافا لمستقبل هذه الوحدة عندما تستعيد وتستكمل بعدها الإفريقي الواعد.
ولأن المناسبة شرط، لم يكن واردا أن ينصرف الخطاب الملكي عما يقوي روح الوحدة بين العرش والشعب إلى ما يزكي روح الخلاف والاختلاف.. فبعد أن أصبح حراك الريف قضية خلافية، حدد خطاب العرش، بما يكفي من الوضوح، طبيعة المسؤولين الذين يُفترَض أن يتحولوا إلى فاعلين قادرين على حلحلة الأزمة وتخطي كل تمثلاتها السلبية.
وبقدر ما كان خطاب العرش معنيا براهن حال الأمة، اختار خطاب ثورة العرش والشعب أن يستكشف آفاق المستقبل، الذي سيستجيب للطموحات القارية للمغرب الموحد المسلح بالعلم والمعرفة وعمق انتمائه الإفريقي.